تبقى مسألة صرف الشيكات بأسماء شخصيات عامة محل استفهام وتساؤل، بل مصدراً مهماً للتصيد السياسي فالكل في غنى عنها إن كانت مقاصدها خيراً، فما بالك إذا ارتبطت بمآرب أخرى؟ لذا فإن الشفافية والصراحة تفرضان نفسيهما على بساط التحقق من مثل هذه التهمة التي لها أبعاد شرعية خطيرة، ناهيك عن تبعاتها الأخلاقية والوجدانية.

Ad

مفاجأة النائب فيصل المسلم بخصوص الشيكات المصروفة لمصلحة بعض أعضاء مجلس الأمة من قبل ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء تمثل اتهاماً مزدوجاً لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية على حدٍ سواء، وبنفس المقدار وبذات الدلالات الخطيرة التي تمس جميع أعضاء السلطتين دون استثناء، ذلك أن المال السياسي يعتبر أفيون المؤسسات الدستورية ونهايتها المحتومة.

وما يزيد الطين بلة، أن مثل هذه التهمة تأتي في ظل تفشي أنواع الفساد الإداري والمالي في الكثير من مؤسسات الدولة وتراجع مؤشرات الشفافية بحسب التقارير العالمية، ناهيك عن حالة التذمر الشعبي الواسع من أداء المجلس والحكومة معاً، والهالة الكبرى من علامات الشك والريبة التي تحوم حول مجمل الوضع السياسي في البلد، خصوصاً أن الكثير من المواقف الصعبة والقرارات الحاسمة بات على محك الاختبار الحقيقي!

واتهامات المال السياسي أو ما يطلق عليها شعبياً بعمليات «دهان السير» ليست بالشيء الجديد على مسرحنا السياسي، فقد استمعنا إلى العديد من الروايات بل الاعترافات الضمنية وأحياناً الصريحة لثمن بعض المواقف الحساسة، وإن تفاوت هذا الثمن بين الخدمات والتسهيلات والمزايا والعطايا على مدى سنوات طويلة مضت، ولكن تفجر فضيحة الشيكات كمستمسك مادي وموثق في حال ثبوتها يمكن أن تودي بما تبقى من مشاعر الثقة والأمانة تجاه الساسة من متخذي القرار التنفيذي والتشريعي، وهذا ما قد يكون بمنزلة القشة التي تقصم ظهر البعير.

وفي مجتمع صغير مثل الكويت، مازال يحمل ضمن موروثاته السياسية والثقافية هناك دائماً مداخل وأبواب للمساعدات الإنسانية لدى أصحاب المقام السياسي، وفي مقدمتها الديوان الأميري وديوان سمو ولي العهد وديوان سمو رئيس مجلس الوزراء، مثلما هي الحال لدى العديد من الشخصيات الاجتماعية ورجال الأعمال، ومثل هذه الجهات تستقبل طلبات المساعدة من المواطنين إما بشكل مباشر وإما من خلال توسط أصحاب الحظوة ومنهم الوزراء والنواب، وفي أحيان كثير تكون هذه المساعدات، التي طالما أنقذت الكثير من العوائل المتعففة وفرَّجت عنهم كروب الضائقة المادية، من أموال هذه الشخصيات أو ضمن بنود في موازنات الجهات التابعة لهم.

ورغم ذلك تبقى مسألة صرف الشيكات بأسماء شخصيات عامة محل استفهام وتساؤل، بل مصدراً مهماً للتصيد السياسي فالكل في غنى عنها إن كانت مقاصدها خيراً، فما بالك إذا ارتبطت بمآرب أخرى؟ لذا فإن الشفافية والصراحة تفرضان نفسيهما على بساط التحقق من مثل هذه التهمة التي تمس وبشكل مباشر الأموال العامة، وفي الوقت نفسه لها أبعاد شرعية خطيرة، ناهيك عن تبعاتها الأخلاقية والوجدانية، وتقع مسؤولية التصدي لمثل هذا الاتهام على كاهل السلطتين معاً وتتعاظم عند صاحب هذا الادعاء تحديداً.

ولهذا أيضاً كانت هناك على مدى فصول تشريعية متعاقبة العديد من المطالبات النيابية بضرورة سن قوانين الشفافية المالية وفي طليعتها قانون الذمة المالية وتطبيقها على القياديين في الدولة وأولهم أعضاء السلطتين درءاً للشبهة أو منعها عندما تضعف النفوس أمام الفلوس أو طمعا في الرصيد السياسي.