عندما تكون نسبة العمالة الوافدة كبيرة في المجتمع وتصل إلى ثلثي السكان، وجلبها إلى دول منطقة الخليج في الغالب هو عن طريق الكفيل، وهناك أفراد وشركات مستفيدة من التجارة بالبشر في المنطقة، سواء من بلدان المنشأ التي تصدّر العمالة أو دول الخليج العربية المستقبلة لها، فإن مشكلات أمنية واجتماعية وسياسية واقتصادية ستفرزها تتأثر بها الدول المستقبلة للعمالة.

Ad

إن لهذا الفلتان في هجرة العمالة إلى المنطقة ثمناً تدفعه دول المنطقة، والأسباب لا تحتاج معرفتها إلى جهد كبير، وهي عدم تطبيق القانون، وخلل في القانون، ونفوذ المتنفذين المستفيدين من هذه التجارة.

لقد نبّهنا وغيرنا إلى الآثار الاجتماعية والسياسية لهذه الحشود البشرية التي تفوق عدد مواطني دول المنطقة، وتزيد عن حاجة دول المنطقة، فقد كتبتا عن هذه الظاهرة قبل أكثر من ربع قرن في كتابنا «الاستيطان الأجنبـي في الوطن العربي»، ثم بعد ذلك كتبنا عن الآثار السياسية للهجرة الوافدة على دول المنطقة، ثم كتبنا أخيراً عن التجارة بالبشر في المنطقة، ولكن كما يقولون (عمك أصمخ)، حتى وصلنا إلى عنق الزجاجة، إلى الخطر الحقيقي، إلى انكشافنا أمام العالم بأن لدينا استغلالاً وظلماً للعمالة، وتجار إقامات وموردين للعمالة فوق القانون، وبطالة عمالية، وعمالة هامشية، ومشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة.

ظاهرياً، لدينا قانون العمل ووزارة شؤون اجتماعية معنية بالأمر تتشدد في غير موقع التشدد، وتتراخى ومُخترقة من تجار الإقامات أو الكفلاء الكبار وأصحاب الشركات الموردة للعمالة. لماذا لم يُحاسب أولئك الذين يظلمون العمال بعدم صرف رواتبهم لشهور عدة؟ أو لا يصرفون مستحقاتهم الحقيقية بل نصفها؟ لماذا يُسمح لمكاتب العمالة بإبقاء الذين يعيدهم الناس إلى المكاتب بسبب دعارة أو تجاوزات ومسجلة قضايا ضد بعضهم في المخافر؟ كيف تنتشر الأمراض من واقع سجلات المستشفيات أو ربما الخطيرة بين العمالة الوافدة، علماً بأن هناك شهادات صحية على خلوهم من الأمراض؟! لماذا لم تُكشف أسماء تجار الإقامات، والمتاجرين بالعمالة والشركات الوهمية التى تستورد أعداداً كبيرة منهم من دول العالم الثالث المختلفة والمتخلفة؟

لماذا لا تبادر الجهات الرسمية إلى التعاون مع الجامعة وغيرها لتحديد حاجة القطاعات المجتمعية لنوعية العمالة وعددها، وتحديد الحد الأقصى نسبة إلى عدد السكان؟

المشكلة هي: أننا فوجئنا -ولم نُفاجأ- بإضرابات عمالية وبأعداد كبيرة بالآلاف في شركات عديدة قد حدثت في شهر يوليو 2008 في الكويت، شل بعضها عددا من المرافق والقطاعات لأيام، وهدد بشل العمل في مرافق حيوية أخرى، وحملت لنا «مانشيتات» الصحف الكويتية عناوين مثيرة مثل: «انتفاضة العمالة في الكويت»، و«ثورة العمال البنغال»، و«مثيرو الشغب من العمال وإضرابات العمالة ضد استغلال الشركات مستمرة»، و«إضرابات تشمل جليب الشيوخ والمهبولة وغيرها»، و«القوات الخاصة تطوق المتظاهرين وتعتقل بعضهم» ، و«آلاف العمال برسم التسفير»، و«إجراءات بحق الشركات المخالفة»... إلخ.

الآن انتهت الإضرابات والاعتصامات بعد إجراءات الحكومة لمنع الشغب وضبط الأمن، ووعود من الشركات بإعطاء العمال حقوقهم. وماذا بعد؟ هل هناك ضمان لأن تلتزم الحكومة ونواب مجلس الأمة بإلغاء الكفيل وعدم الالتفاف على القانون ثم تكرار ما حدث مستقبلاً؟ هل ستلتزم الشركات بدفع حقوق العمال كما وعدت؟ هل ستلتزم الدولة ممثلة في وزارة الشؤون ونواب الأمة بدراسة ظاهرة العمالة الوافدة والهجرة بصورة عامة إلى البلاد، ومعالجة المشكلة جذرياً، أم أننا سننسى بعد هدوء العاصفة، فتظهر مشكلة أخرى لتغطي عليها، ويستمر الاستغلال ويعود التسيّب؟

نقول لأصحاب القرار: أيها السادة استفيدوا من البحوث والدراسات حول ظاهرة الهجرة والعمالة الوافدة إلى المنطقة، وانظروا في النتائج والتوصيات التى خلُصت إليها، وإلى متى تعالجون ظواهر الأشياء وليس أسبابها؟ وإلى متى تتركون المشكلات حتى تتراكم فتتفاقم وتنفجر ثم تصرخون، وربما تتعسفون في الإجراءات؟

لقد أدت الصحافة دورها في كشف الواقع المحزن لهذه العمالة واستغلالها، وعبّر بعض نواب مجلس الأمة عن شعورهم تجاه القضية، بعضهم من منتجعاتهم في آسيا وأوروبا وبعض الدول العربية، وعادوا لاستكمال إجازاتهم، وقامت الحكومة بإجراءات ضبط الأمن، وتهديد الشركات المستغلة للعمالة... لكن يبقى السؤال: وماذا بعد؟ هل سنمسك بـ«البردعة» ونترك «الآخر»؟ وهل ستكون الضحية هي السبب في المشكلة أم المتاجرون بالبشر؟ وإلى متى نثير مثل هذه التساؤلات؟

إن مشكلتنا هي في عدم وجود رؤية ولا إرادة ولا إدارة سليمة لمواجهـة مثل هذه المشكلات، هل من الصعوبة بمكان أن تحدد الدولة والمعنيين بالأمر كلهم حاجة القطاعات المجتمعية في القطاعين العام والخاص من الوافدين على المستويات جميعها؟ إذن ما معنى خطط التنمية التى نتحدث عنها ليل نهار؟!

من البديهي لأي مسؤول ولأي مثقف ولأي مجتمع، ألا يزيد عدد الوافدين على عدد السكان المواطنين مهما كانت المبررات، وإذا كانت المبررات لذلك مقبولة قبل عقود فهي غير مقبولة اليوم بعد زيادة قوة العمل المحلية بزيادة عدد الخريجين والمتدربين المواطنين، مع زيادة عدد السكان المواطنين من واقع الإحصاءات الرسمية.

ولعل مثل هذه المشكلات للعمالة الوافدة تشكل صعقاً كهربائياً لنا لنصحو، ونعمل ليس بسنّ مزيد من القوانين بقدر ما نطبق ما لدينا من قوانين بوازع ودافع وطني أساسه مصلحة البلاد والعباد.