Ad

حقيقة، إن إيران في ضوء ازدياد نذر الحرب وترجيح احتمالاتها باتت تبدو مهزوزة وخائفة وبات حالها، وهي تواصل إطلاق هذه التهديدات التي تحذر الإسرائيليين والأميركيين من مغبة ما قد يقومون به، كحال مسافر الصحراء ليلاً الذي عندما يستبد به الخوف يأخذ يغني بأعلى صوته، في حين أنه من المفترض أن يكتم أنفاسه حتى لا يُرشد إليه وإلى راحلته «هوام» الأرض وقطّاع الطرق.

أطرف ما ردَّت به إيران على التشكيك بمظاهرة «الصواريخ»، التي أرادتها استعراضاً للقوة لإخافة إسرائيل والولايات المتحدة ومنعهما من تنفيذ ما تهددان به ضدها، هو القول، على لسان آية الله كاشاني المعروف بقربه من مرشد الجمهورية علي خامنئي: «ان إيران لا تريد التورط في حرب مع إسرائيل، ولا تريد إطلاق صواريخها على تل أبيب»، وهذا يخالف ما دأب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تأكيده لجهة التهديد بتدمير هذه الدولة «المغتصبة» وإزالتها من الوجود.

وبالطبع، فإن كاشاني مثله مثل مسؤولين إيرانيين آخرين قد أغاظه أن توصف صواريخ بلاده بأنها مجرد لعبة صور «كومبيوترية»، وأن العرض الصاروخي الذي قامت به طهران هو «خدعة» تلفزيونية، وأن إيران لم تقم بأي تجارب تدل على وجود أي تكنولوجيا جديدة. وردّاً، على هذا التشكيك الذي شاركت فيه وكالات أنباء غربية من المفترض أنها محايدة وغير منحازة، قال كاشاني وعيناه تقدحان شرراً: أنتم في إسرائيل والبيت الأبيض الكاذبون... وإذا أردتم اجتياحنا فإننا سنلقنكم درساً ستندمون بعده على ما قمتم به!

وحقيقة، إن إيران في ضوء ازدياد نذر الحرب وترجيح احتمالاتها باتت تبدو مهزوزة وخائفة وبات حالها، وهي تواصل إطلاق هذه التهديدات التي تحذر الإسرائيليين والأميركيين من مغبة ما قد يقومون به، كحال مسافر الصحراء ليلاً الذي عندما يستبد به الخوف يأخذ يغني بأعلى صوته، في حين أنه من المفترض أن يكتم حتى أنفاسه حتى لا يُرشد إليه وإلى راحلته «هوام» الأرض وقطّاع الطرق، حيث الحداء في الليل في صحراء بلْقع بمنزلة دعوة للوحوش والضباع الجائعة.

لم يتوقف الرئيس محمود أحمدي نجاد عن تهديد إسرائيل بالفناء وإزالتها عن الوجود «قريباً»، وهذا شجَّع الأتباع الصغار، مثل خالد مشعل، على أن يركبوا هذه الموجة المرتفعة ويبشرون الشعب الفلسطيني المحاصر، إن في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، بأن الفرج بات قريباً وأن زوال الكيان الصهيوني أصبح أقرب من حبل الوريد، وذلك في حين أنه من المفترض أن يصمت هؤلاء، وأن يستبدلوا التصريحات المرتفعة النغمة التي هي سلاح المفلسين بالأفعال الحقيقية لتحقيق هذه الأمنية الغالية.

هناك مثلٌ يقول «إن الذي يُكبِّر حجره لا يضرب»... والمطلوب الآن وفي هذه المرحلة ليس إزالة إسرائيل من الوجود، بل حملها على الانصياع لقرارات المجتمع الدولي، والانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967، والتسليم بحق الشعب الفلسطيني في أن يقرر مصيره بنفسه، وأن يُقيم دولته المنشودة التي باتت حتى الولايات المتحدة مقتنعة بإقامتها، والتي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش أكثر من مرة.

لا اعتراض إطلاقاً على أن الحرب خدعة ولكن أي خدعة وليس بهذه الطريقة. والمفترض على الإيرانيين، بدل إنجاب جيل جديد من صواريخ «القاهر» و«الظافر» وصواريخ «الحسين» و«العباس»، التي انكشفت على حقيقتها عندما جدَّ الجد واندلع القتال، أن يكونوا قد استفادوا من عبر التاريخ القريب ودروسه، وتعلموا أن حبل الكذب قصيرٌ... وأن الزيف تكشفه لحظة الحقيقة.

أكبر هزيمة حلَّت بالعرب في التاريخ الحديث، التي هي هزيمة يونيو عام 1967، حيث احتلت إسرائيل ما كان تبقى من فلسطين بعد نكبة عام 1948 وفوق هذا سيناء كلها حتى قناة السويس وهضبة الجولان حتى مشارف دمشق الشام، كان عنوانها: «القاهر والظافر»، وأكبر كذبة جرَّت على العراق هذه الويلات كلها، التي لاتزال تتلاحق، كان عنوانها: «العباس والحسين»، وكان عنوانها أيضاً تهديد صدام حسين «بكل تواضع» بإحراق نصف إسرائيل، حيث الآن يهدد الرئيس محمود أحمدي نجاد بإحراق هذه «الإسرائيل» كلها، وفوقها اثنتان وثلاثون قاعدة أميركية وكل بوارج ومدمرات الأسطول الخامس الأميركي المرابطة في الخليج «الفارسي»!

* كاتب وسياسي أردني