جمع الكاتب البريطاني «هاري أوليفر» كلّ ما يخطر أو لا يخطر على البال من الخرافات المتعلقة بالشؤم وحسن الطالع، على مرّ الأزمان، وأصدرها في كتاب بعنوان (قطط سوداء.. وكذبات أبريل)... تتبّع فيه أصل كلّ خرافة في مختلف المجالات والأوطان، وعاد بنتيجة ملخّصها أن هناك عدداً نادراً من هذه الخرافات كان له، في بعض الأزمان مسوّغ واضح ومعقول، لكنّ الشطر الأعظم منها يقوم على أسس واهية وسخيفة، وبرغم أنّ معظمها يعود إلى أزمنة سحيقة، ممّا ينزع عنها الصدقية الآن، لاختلاف البيئة والظروف وطبيعة الناس، فإنّ عدداً كبيراً من أهل الأزمنة الحديثة مازال يؤمن بها ويمتثل لها!

Ad

من تلك الخرافات مثلاً: التفاؤل بحذوة الحصان باعتبارها جالبة للحظ، وأصل هذه الخرافة يرجع إلى كونها مصنوعة من الحديد، ففي العصور القديمة كان الناس يعتبرون الحديد معدناً ذا قوّة فعّالة لا تعادلها قوّة معدن آخر. وقد خلعت المسيحية على الحديد قوّة إضافية عندما قرنته بمسامير الصليب.

وهناك من يرى أنّ هذا الاعتقاد هو نتيجة شبه الحذوة بالهلال أو قوس قزح، وكلاهما كان من الرموز الدّالة على حسن الحظ.

وفي الفترة الأليزابيثيّة كان ارتداء الثياب الصفراء أو الخضراء على المسرح في بريطانيا يعد من علامات سوء الطالع، للاعتقاد بأنهما لونا الشيطان... حيث يرمزان لقوى النار المهلكة ولقوى الغابات المتوحشة، فيما أرجع بعض المصادر خطر اللون الأخضر إلى كونه لون الجنّ.

لكنّ مصدراً «عاقلاً» يكشف عن أنّ علاقة النحس بهذين اللونين كان مجالها المسرح فقط، وذلك لأن وسائل الإضاءة المستخدمة في ذلك الزمان كانت تجعل هذين اللونين خفيّين مما يعيق أداء الممثل لأنه يبدو للنظارة شبه خفيّ... وهذا كلّ ما في الأمر!

ويبدو أنّ القمع كان يلاحق المدخنين منذ زمن بعيد، إذ إنّ هناك تحذيراً صارماً يقول إن من بواعث النحس أن تشعل ثلاث سجائر من عود ثقاب واحد.

والواقع أن هذا التحذير يتناسب مع الدوائر العسكرية أكثر من غيرها، لأنّ منشأ الخرافة يعود إلى حرب البوير، مع أنه يبدو أكثر توافقاً مع الليالي الطويلة للحرب العالمية الأولى. وأصل المسألة هو أنّ القنّاص في خطوط الأعداء الذي سيلاحظ شخطة العود حين يشعل السيجارة الأولى، سيكون لديه وقت كاف لتعبئة بندقيته بالبارود عند إشعال الثانية، وسيكون بإمكانه بكل ثقة أن يطلق النار على المدخن الثالث سيئ الحظ، حين يصل العود المشتعل إلى سيجارته!

أتساءل: أيّ قنّاص سيحتاج اليوم إلى حركات العود الثلاث؟

إنّ بنادق هذه الأيام، والحمد لله، كلّها أوتوماتيكيّة، ثمّ إنّ القصف أو التفجير لم يعد يحتاج إلى جنود على خطوط الأعداء... فالناس جميع الناس، في البيوت أو الشوارع أو الأسواق أو في وسائل النقل، موعودون بنعمة القتل، وسواء أكان المرء مدخّناً أم غير مدخّن، فإنّه سيدخّن بالاحتراق... ومن الحركة الأولى!

ولعلّ القارئ سيشعر بالاستغراب عندما يعلم أنّ العثور على النقود كان يعتبر، في يوم من الأيام، أمراً جالباً للنحس!

هذا المعتقد يرجع إلى القرن السادس عشر، وفي محاولتهم لدفع النحس كان الناس يبصقون على النقود التي يعثرون عليها، أمّا إذا كانت قطعة النقود مضروبة فإن ذلك يعد من دلائل الحظ السعيد، ويمكن للمرء التقاطها دون خوف من أي خطر.

أصل هذه الخرافة غير معروف، لكن يمكننا أن نتخيّل أنّ الفقير، في تلك الأزمان، سيُتَّهم بالسرقة إذا وجدت بحوزته قطع نقدية... ولذلك خرجت النقود المضروبة من دائرة النحس، إذ لا مجال لاتّهام الفقير بسرقتها، لأنّ صاحبها هو الذي نبذها بالتأكيد. أو ربّما تمّت إشاعة هذه الخرافة لتقوم كنظام اجتماعي يضمن عودة النقود المفقودة إلى أصحابها.

لقد ضمّ كتاب أوليفر خرافات أكثر سخفاً، لكنّها، مع ذلك، كانت أكثر شيوعاً على مرّ الزمن، بل إنّ بعضها كان متعلّقاً بجذر تاريخي قديم جداً للتفاؤل أو التشاؤم، لكنه انسحب، برغم ذلك، إلى واقع الناس في أطوار تاريخية متقدّمة حتى وصل إلى زماننا الراهن. وذلك ما سنستوفيه في قراءة لاحقة.

* شاعر عراقي