إن العاصفة الكاملة تقترب. وهي العاصفة التي قد تهدد علاقات الصين بالعالم. ورغم الابتهاج الشديد الذي يبديه القوميون الصينيون وبعض منتقدي الصين في الغرب، فإن التدهور المحتمل في علاقات الصين الدولية لن يخدم مصالح أحد ويهدد بتقويض السلام والأمن على مستوى العالم.
مع اقتراب موعد انطلاق الألعاب الأوليمبية في بكين، يبدو أن منتهى آمال الصين- أن تعمل الألعاب كبشير بعودة الصين كزعيمة بين الأمم- بات أقرب إلى الإفلات من بين يديها. وإذا ما ساءت الأمور فقد تجنح الصين إلى العزلة.كان التمرد الذي شهدته التيبت، وردة فعل الحكومة في مواجهته، سبباً في تسليط الضوء على التوترات العرقية داخل الصين، والصعوبة التي تواجهها الحكومة الصينية في التعامل مع هذه التوترات. وبسبب عجزها سياسياً عن قبول طموحات المحتجين في التيبت، أو التعامل مع هذه الطموحات على النحو اللائق، عمدت السلطات الصينية إلى التركيز على نحو شبه كامل على قضية تنفيذ القانون وفرض النظام السطحية الضيقة المرتبطة بأعمال العنف التي اندلعت في شهر مارس.وفي الغرب يرى العديد من المتعاطفين مع طموح أهل التيبت إلى قدر أعظم من حكم الذات تحت السيادة الصينية، أن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين، ومحاولات تشويه سمعة الدلاي لاما، والأساليب المتشدد في التعامل مع القضية، كانت سبباً في تحرر الناس من الوهم. بيد أن العديد من الصينيين، ينظر إلى الاحتجاجات المؤيدة للمتمردين في التيبت، والتي تم تنظيمها في باريس ولندن وسان فرانسيسكو ودلهي وأماكن أخرى من العالم، باعتبارها محاولة لتخريب الألعاب الأوليمبية وتثبيط همة الصين بعد ما يقرب من قرنين من الزمان من المهانة المزعومة على المستوى الوطني.لقد تعرضت الصين أخيراً للعديد من الكوارث الدعائية. فالسفينة الصينية التي كانت تحمل أسلحة إلى نظام موغابي البغيض في زيمبابوي انقلبت على أعقابها أخيراً عائدة إلى الصين، بعد أن منعتها الاحتجاجات والإدانات العالمية من تسليم شحنتها. ولقد دعا رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون إلى فرض حظر أسلحة شامل على زيمبابوي، وهو الموقف الذي استهدف الصين بوضوح. فضلاً عن ذلك، فمازال المجتمع الدولي مستمراً في تقريع الصين بسبب بيعها الأسلحة للسودان، التي يُـعتَقَد أنها استخدمت هذه الأسلحة في حملة التطهير العرقي في دارفور.وبعد القصص العديدة التي بدت وكأنها لن تنتهي عن المنتجات الصينية الملوثة، نشأ الآن نـزاع جديد بين الصين والولايات المتحدة بشأن مادة الهيبارين (مادة مانعة لتجلط الدم) الملوثة المنتجة في الصين، ورغم محاولة السلطات الصينية تفنيد مزاعم الولايات المتحدة بأن الهيبارين المصنوع في الصين كان سبباً في وفاة 81 أميركياً على الأقل، فإن الأدلة العلمية أضرت بمصداقية الصين، وعززت لدى الناس في أنحاء العالم المختلفة اعتقادهم بأن المنتجات الصينية لا تخضع لتنظيم جيد وغير آمنة.وأخيراً، تسببت الشكوك الاقتصادية المتنامية في نشوء ردود أفعال معادية ضد التجارة والعولمة، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى تبديل المواقف الدولية في التعامل مع الصين. وبينما يتهم الأميركيون وغيرهم من الغربيين الصين بأنها دولة عاجزة عن معالجة مشاكلها السياسية وتسعى إلى النمو بأي ثمن، يبدو أن الحكومة الصينية قد ارتدت مرة أخرى إلى سرد وطني للأحداث يصورها كضحية، وهو السرد الذي يضرب بجذوره السامة في النظرة الصينية إلى الأحداث التاريخية، مثل تمرد بوكسر الذي استمر من العام 1899 إلى العام 1901.إذا ما تحولت الألعاب الأوليمبية إلى كارثة دعائية أخرى- بسبب الاحتجاجات المحتملة من جانب الناشطين من التيبت وأوغور وفالون غونغ أو أنصارهم ومؤيديهم، أو بسبب تقييد حرية الصحافيين الأجانب في الحركة، أو حتى الفضائح الخاصة بتعاطي المنشطات- فمن المرجح أن تسارع الصين إلى تحميل الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، المسؤولية عن ذلك.ولكن لأن نهضة الصين تشكل حقيقة ثابتة لا يستطيع أحد أن ينكرها أو يبدلها، فإن كل مَن يعتقد أن الصين لابد أن تتحمل قدراً أعظم من المسؤولية في التعامل مع الشؤون الدولية ليس من الممكن أن يتمنى لها العودة إلى العزلة القومية. فكما تحتاج الصين إلى الوصول إلى الأسواق العالمية، فإن العالم يحتاج إلى الصين كشريك كامل في مواجهة التحديات العالمية الرئيسية. والحقيقة أن كلاً من الجانبين يدين للآخر بالحوار الصريح المنفتح للمساعدة في إدراك هذه الحقيقة.إن منتقدي الصين في الغرب لديهم كل الحق في الاحتجاج على أي جانب من جوانب السلوك الصيني، والعكس صحيح. فمن المؤكد أن أفعال الولايات المتحدة في العراق، وإسهامها في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، ولجوءها إلى القرارات الأحادية في التعامل مع المشاكل الدولية، يترك مجالاً ضخماً لانتقاد سلوكيات الولايات المتحدة.وفي الوقت نفسه يتعين على هؤلاء الذين يحتجون على السلوكيات الصينية أن يتذكروا أن نهضة الصين كانت سبباً في انتشال مئات الملايين من البشر من الفقر، وأن الصين تلعب دوراً أكثر إيجابية في العلاقات الدولية الآن مقارنة بأي وقت مضى من تاريخها الحديث. كما يتعين على قادة الصين بدورهم أن يعملوا على منع السرد الوطني في الصين من العودة إلى اعتبار الصين ضحية، حتى لو أحاطت المشاكل بالألعاب الأوليمبية، وهو المرجح.إن الاستعداد الذي أبدته الصين مؤخراً للعودة إلى الحوار مع مبعوثي الدلاي لاما، والتحسن الذي طرأ على علاقاتها بتايوان، يشيران إلى وجود الحيز اللازم لتوفير بيئة أكثر إيجابية. ورغم أن العاصفة تلوح في الأفق، فإن الفرصة ما زالت متاحة للاستعداد لهذه العاصفة والخروج منها بسلام.* جيمي ف. ميتزل ، شريك في شركة استثمارية عالمية تتخذ من نيويورك مقراً لها، وكبير زملاء جمعية آسيا، كما خدم في مجلس الأمن القومي الأميركي ووزارة الخارجية الأميركية أثناء إدارة الرئيس كلينتون.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
الصين والعاصفة الكاملة
14-05-2008