لا تخف، فالروح لخالقها، والرزق في السماء، والأرض في نهاية المدى يرثها الشجعان المخلصون، والأنام جميعهم إلى ذهاب، والدود لا يفرق بين من مات من فرط الشبع، ومن قتله الجوع.

Ad

لا تخف...

لأن السلامة في المواجهة، ولأن الجبان يموت ألف مرة، والحياة لا تتقدم إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم كثيرا من عاقبة الرفض، وأدركوا أن الذين قالوا «لا» هم من عبّدوا للبشرية طريقها إلى التقدم، وأخرجوها من الظلمات إلى النور. لا تخف من سجان، لأنه هو الذي يخاف منك، ولا تخف من سلطان، لأن نفيك سياحة، وسجنك خلوة، وتعذيبك جهاد، وقتلك شهادة. وقل في نفسك بثقة متناهية: لو لم يكن السلطان أو السجان خائفا فلم الحرس والأسوار والعربات المصفحة؟ ولو لم يكن مرعوبا فلم يخفي عنّا خط سيره ومعالم سيرته، ويضع على صندوق أسراره ألف ترباس؟ ولم يخطف كل شيء منا بليل؟ ولم يكره النهار، ويمقت الصدق، ويخشى المنافسة؟

لا تخف...

فالبحر ابتلع فرعون، والأرض التهمت قارون وماله، والبعوضة أذلت النمرود، وفئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. وإذا قلت لنفسك إن زمن المعجزات قد ولّى، فاعلم أنك أنت المعجزة، عقلك المتوقد ومشاعرك الفياضة وطاقتك التي لا تنفد، وتذكر الهنود الذين كانوا ينامون أمام قطارات الإنكليز لا يهابون الموت، ملبين نداء زعيمهم العظيم المهاتما غاندي، حتى حرروا بلادهم. وتذكر أن أربعين رجلا تحت قيادة كاستروا وجيفارا أسقطوا نظام حكم كامل في كوبا، وأن رجلا واحدا هو مارتن لوثر كينج حرر سود أميركا من العبودية، وأن صرخته الشهيرة «أنا أحلم» تحولت إلى حقيقة بعد أن أصبح باراك أوباما الأسمر رئيسا للولايات المتحدة. وتذكر أيضا أن رجلا أسمر آخر وهو نيلسون مانديلا قد صمد في سجنه نحو ثلاثين عاما، لم ينكسر ولم يخن، حتى انهار جدار العنصرية في جنوب إفريقيا تحت ضربات عزمه الذي لم يلن، وإرادته التي لم تتراخ.

لا تخف...

كن فيلسوفا يرى العالم ألعوبة، ولا تكن صبيا هلوعا، هكذا قال جمال الدين الأفغاني لتلميذه النجيب محمد عبده، قولا كان يؤمن به، ويدرك أنه السبيل الوسيع لإيقاظ الهمم، وإلهاب المشاعر، وإزاحة أنظمة الحكم المستبدة. ومثل هذا القول وذلك الإيمان هو الذي خلد صاحبه فينا، وجعله أحد صناع نهضتنا الحديثة، التي أقعدها مستعمرون من بني جلدتنا، وزعموا أننا في زمن الاستقلال والحرية. كن فيلسوفا، وكن واحدا من الذين قال فيهم عبدالرحمن الكواكبي: «ما بال الزمان يضن علينا برجال ينبهون الناس، ويرفعون الالتباس، يفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون».

لا تخف...

ولا تنسَ أن قصيدة شعر أسقطت نظام الطاغية الروماني شاوشيسكو، وأن رواية واحدة وهي «كوخ العم توم» قد أطلقت شرارة تحرر سود أميركا من العبودية، وقل دائما: في البدء كانت الكلمة، وتذكر دوما أن أول كلمة في القرآن هي «اقرأ»، ثم تدبر أمر السلاطين الذين تسولوا المجد على أبواب الكلمات، فحاول صدام أن يكون روائيا، والقذافي أن يكون قاصا وفيلسوفا، ولم يكفهم الجاه والثروة والأمر والنهي. ولهذا لا تعتقد أن الرصاصة أقوى من الكلمة، فارفع حرفك في وجه أصحاب السطوة والسوط، وارفع صوتك عاليا في وجه الجبارين، نافضا عن نفسك كل أسباب الخمول والخمود والركوع والخضوع، وارفع فأسك التي تشق بها الأرض العفية، وشج بها رأسك ظالمك.

لا تخف...

ولا تأس على ما فاتك، فالمستقبل لك، والأيام يداولها الله بين الناس، والمناصب تزول، والتاريخ مليء بسجانين سيقوا إلى غياهب الزنازين، وطوتهم القبور، ولفهم النسيان، فلم يعد لهم بين الناس ذكر إلا حين يستحضرونهم ليلعنوهم. والتاريخ مليء أيضا بمتغطرسين هدهم المرض، ودهستهم أقدام الثائرين، وأكلهم الندم على ما فرطوا من واجبات في أعناقهم، وما اغتصبوا من حقوق ليست لهم. ولا تفرح بما آتاك، فلايزال أمامك الكثير الذي يجب عليك فعله من أجل أن يولد الغد عفيا على أكف الحاضر، وتشرق شمس الحرية، وتغمر بلادنا بنورها الفياض.

لا تخف...

بل أغمض عينيك، وأطلق العنان لخيالك، فيمكنك أن تصير ما تريد، إن أدركت أن بين جوانحك طاقة جبارة، وأيقنت أنك خليفة الله في الأرض، وأنك المكرم من بين كل المخلوقات، المسخر لك كل شيء من أجل خدمتك، وأن المجد لله في الأعالي، والعبودية له في كل مكان، وليست لأي فرد مهما أوتي من جبروت، وأن أمهاتنا ولدتنا أحرارا، ولسنا عقارا ولا تراثا، نستبعد، ونباع ونُشترى.

لا تخف...

فالذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية، وحزمة من حطب هش أقوى من عود خيزران واحد، وقطرات ماء تدوم بوسعها أن تفلق الصخر، ودفقة نور واحدة من شمس الصباح تبدد الكثير من الغيوم.

* كاتب وباحث مصري