غريب عناد الحكومة وعجيب تجاهلها المستمر للكوادر المالية، فلو كانت فقيرة لعذرناها، ولو كانت تجيد صرف فوائضها المالية في المكان الصحيح لعذرناها أيضا، بل لطبعنا قبلات على رؤوس أعضائها احتراما وتقديرا منا لجهودهم في بناء وتعمير وتجديد البنى التحتية للبلد.

Ad

غريب وعجيب التعامل الحكومي مع قضية إقرار الكوادر المالية لبعض القطاعات المهمة والحساسة جدا، وغريب عنادها، وعجيب تجاهلها المستمر لمطالبهم رغم اتباعهم كل الوسائل الحضارية والمشروعة للحصول عليها، فقد أتى على الحكومة حين من الدهر كانت توزع فيه الكوادر يمينا وشمالا ودون حساب، على من يستحق ومن لا يستحق من موظفيها، وأكثرهم بطبيعة الحال من الفئة الأخيرة، فما إن أتى الدور على المستحقين الحقيقيين الذين يعملون بوظائف ذات طبيعة خاصة ونظام النوبات القاسي الذي يرغمهم على الوجود في مقار أعمالهم حتى في الأعياد والعطل الرسمية، وذلك لحساسيتها وأهميتها القصوى في خدمة المواطن والمقيم على السواء، أقول ما إن أتى دورهم حتى بدلت الحكومة سياسة الكرم الحاتمي بسياسة العناد والمماطلة والرأس اليابس و«اللي مو عاجبه يستقيل» أو «يطق راسه بالطوفه» أو «يروح يشرب من البحر»، لكن الواقع يقول إن أحدا لن يشرب من البحر سوى المواطنين والمقيمين الذين سيتضررون أيما ضرر، إن استمرت الحكومة في سياسة «التطفيش» الحالية التي تتبعها مع هؤلاء الموظفين في المرافق الحيوية والمهمة للغاية!

ولا أدري حقيقة ماذا ستفعل الحكومة إن حدث نقص في تلك الوظائف النادرة والضرورية مستقبلا؟! هل سيقوم السيد وزير الصحة برعاية المرضى بنفسه، إن أضرب الممرضون والممرضات أو استقالوا من وظائفهم، باحثين لهم عن وظائف آخرى ينالون فيها شيئا من الإنصاف والتقدير، وهل سيصعد السيد وزير المواصلات الى برج المراقبة في المطار ليوجه الطائرات المقلعة أو الهابطة، إن بدأ موظفو الطيران المدني من ذوي الخبرة والكفاءة في الانقراض (وهم في طريقهم للانقراض فعلا) بسبب المماطلة في منحهم كادرهم المستحق، الذي يطالبون به منذ أعوام دون جدوى، ومن سيحل محل العاملين في شركة البترول إن أضرب عمالها أو استقالوا من أعمالهم، هل سيشمر وزير الطاقة عن ذراعيه فيعوض غيابهم؟ ومن سيؤدي الدور المهم الذي يقوم به العاملون في مؤسسة الموانئ إن رحلوا عن وظائفهم ذات الرواتب المجحفة؟ والأمر كذلك بالنسبة للمحاسبين في ديوان المحاسبة، وغيرهم من المستحقين للكوادر المالية ممن يعملون في أماكن حساسة ونادرة، ويستحقون التشجيع المعنوي والمادي بدل التجاهل والإجحاف؟!

لو كانت حكومتنا فقيرة لعذرناها، ولو كانت تجيد صرف فوائضها المالية في المكان الصحيح لعذرناها أيضا، بل لطبعنا قبلات على رؤوس أعضائها احتراما وتقديرا منا لجهودهم في بناء وتعمير وتجديد البنى التحتية للبلد، لكن المرء يصيبه العجب والذهول وهو يرى أموال الدولة وهي تذهب كل يوم وبطرق ملتوية احترافية إلى جيوب بعض الفاسدين والمتنفذين ممن تخصصوا في نهب المال العام، أو وهو يراها تقوم بتوزيعها بين الحين والآخر على من كانوا يرقصون على جراحنا فرحين شامتين بآلامنا ودمائنا أيام الغزو العراقي الغادر!

أليس أبناؤنا وبناتنا من العاملين في الطيران المدني والتمريض والموانئ وديوان المحاسبة وشركة البترول أحق وأجدر بهذه الأموال المهدورة بلا معنى؟! ألا يستحق جهدهم الكبير في خدمة الوطن والمواطنين التقدير المادي والمعنوي بدل هذا التقتير والتوفير الذي في غير محله؟! وحتى متى سيستمر هؤلاء العاملون صابرين على الظلم والإجحاف؟!

قليل من الإنصاف أيتها الحكومة الرشيدة سيحل الأمور كلها، ويكفينا ويكفيكم شر الإضرابات والاستقالات والأزمات المستقبلية، فمجموع كوادرهم مجتمعة لا تساوي هبة من هبات حكومتنا الكريمة إلى بلاد الواق واق ممن لا حاجة ولا مصلحة لنا معهم بالمرة!