لا أدري إن كان يصح مقارنة حالة الإحباط السائدة في المشهد السياسي هذه الايام بأوضاع الإحباط التي سادت الحياة السياسية في الفترة التي سبقت انتخابات مجلس 1971؟

Ad

سادت أجواءَ انتخابات 1971 حالةُ إحباط حادة، وشعور عارم باللافائدة، وشكوك حارقة في جدوى النظام الديمقراطي. تلك الأجواء كانت نتاجاً طبيعياً لتزوير انتخابات 1967، التي استقال على أثرها عدد من النواب الذين كانوا قد فازوا بعضوية مجلس الامة.

أما تزوير انتخابات 1967، فقد كان بدائياً ومكشوفاً وعلنياً. وبما أنه لم تكن هناك خبرات متوافرة لدى الكويتيين في عملية تزوير الانتخابات آنذاك، فقد تمت الاستعانة بخبراء في التزوير من بلد عربي شقيق، لديهم دراية وباع طويل في تقنيات التزوير، وتم إسكانهم، لأنهم «خبراء»، في بيوت الخبراء بمنطقة الشويخ.

كان واضحاً أن قرار التزوير ذاك كان قد اتخذ على عجل، لمواجهة تحالف القوى الوطنية بما في ذلك التجار الوطنيون، الذي التأم في قائمة واحدة أطلق عليها تسمية «نواب الشعب»، وقد كانت التقديرات تشير الى ان تلك القائمة على موعد مع اكتساح مقاعد مجلس الامة.

أدت صدمة التزوير تلك إلى أن اتخذت الفئات المكونة لنواب الشعب قراراً باستخدام أسلوب تقليدي في المعارضة في الكويت ألا وهو «المعارضة الانسحابية»، أي الامتناع عن المشاركة في الحكومة، أو دعمها، وهكذا كان.

بالإضافة الى عدم المشاركة وحالة الاحباط، فإن أداء المجلس الذي أنتجه التزوير، ضاعف حالة التردي والتراجع العام، وفتت الإدارة الحكومية، فانتشر الفساد الإداري والمالي كانتشار النار في الهشيم. وشعرت الحكومة بالعزلة بسبب ابتعاد القوى الوطنية ورجال الدولة عن المشاركة في العملية السياسية، ما أدى الى قيام المرحوم سمو رئيس الوزراء ولي العهد الشيخ جابر الاحمد آنذاك، بإلقاء بيان يونيو 1970، داعياً فيه القوى السياسية التي قاطعت العملية السياسية الى العودة.

وعندما اقترب موعد الدعوة إلى انتخابات 1971، سعت الحكومة الى دعوة القوى المقاطعة للمشاركة، لكنّ الاستجابة لم تكن كاملة، فانقسم «نواب الشعب» حول مسألة المشاركة، ففريق كان يرى ضرورة قيام الحكومة بإصلاحات مستحقة في النظام الانتخابي، وفريق كان يرى أنه لا جدوى من تلك الانتخابات، فهي ليست إلا مسرحية، وفريق آخر كان مصراً على ضرورة تقديم الحكومة ضمانات أكيدة بعدم تكرار عملية التزوير، وفريق رابع أخذ في الاعتبار كل الاعتبارات السابقة، لكنه قرر خوض الانتخابات، وكان أن فاز ذلك الفريق بأربعة مقاعد، بالإضافة الى عدد أكبر من القريبين من التيار الوطني.

وهكذا جرت انتخابات 1971، في أجواء إحباط شديدة الوطأة، وحالة انقسام سياسي حادة في عمق القوى الحية في المجتمع، وشعور بعدم الجدوى من العملية الانتخابية.

إلا ان الجدير بالملاحظة هو أن مجلس 1971 كان من أكثر مجالس الأمة إنجازاً في تاريخ الكويت، وأعلاها فاعلية، على الرغم من انه قد تخلله أكثر من استجواب، لكن ذلك لم يمنع تعاوناً غير مسبوق بين السلطتين، ربما لم يتكرر. بل إن تقدم العملية السياسية ورشدها آنذاك وجدناها قد أعادت شيئاً من لبن الثقة المسكوب، وأعادت الحياة مجددا إلى العملية الديمقراطية.

وهكذا وجدنا الحي يخرج من الميت، فهل بالإمكان أن نتلمس شيئاً من أمل في الخروج من حالة الاحباط السائدة، إلى أمل في أن يأتي مقبل الأيام بما هو أكثر تفاؤلاً. ولن يأتي ذلك التفاؤل إلا من خلال حسن الاختيار، ولنتذكر أن عملية التفكير في مرشح كفؤ، ووطني، وأمين، والتصويت له يوم الاقتراع، لن تستغرق أكثر من نصف ساعة، فهل نستكثر نصف ساعة فقط على الكويت ومستقبلها؟