المفترض أن تنطلق اليوم الأحد، في لاهاي في هولندا، المحكمة الدولية الخاصة باستشهاد رفيق الحريري، الذي استشهد بتفجير مرعب قبل أربعة أعوام، مزق أيضاً أجساد عدد من أصدقائه ومساعديه وحراسه، وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قد استبق موعد انطلاقة هذه المحكمة بإصدار تقريره النهائي الذي تعهد فيه بالحرص على ان تأخذ العدالة مجراها، واستعرض المسائل المتعلقة بالأمور الإدارية وبالموازنة والإجراءات الأمنية والإعلام.

Ad

وهذا، بالإضافة الى كل ما قيل خلال الأيام الماضية، يعني ان مرحلة الجد قد بدأت وأنه بعد تحقيقات استغرقت وقتاً طويلاً لم يبق إلا سَوْق المتهمين الى شباك العدالة هذا إن لم يطرأ ما قد يغرق هذه العملية في المماطلات، ويستنزفها شيئاً فشيئاً الى ان تصبح نسياً منسياً، ويذهب دم رفيق الحريري هدراً ومعه كل الذين مزقت أجسادهم شظايا المتفجرات المجرمة التي من المفترض ان تنتهي مرحلة تسجيلها على ذمة مجهول.

هناك مخاوف لدى عائلة الحريري ولدى كل اللبنانيين الذين ينتظرون على أحر من الجمر ألا تتمكن هذه المحكمة من حماية حرية الرأي في بلادهم، وألا تردع بالأحكام التي ستصدرها أولئك الذين يواصلون التدخل في شؤون لبنان الداخلية والذين يواصلون محاولاتهم المحمومة لتكون نتائج الانتخابات المقبلة التي من المقرر ان تجري في السابع من يونيو المقبل بوابة لهيمنتهم عليه مجدداً، وإن بصورة غير الصورة السابقة.

وحقيقة أنها مخاوف محقة فرغم كل ما قيل خلال الأيام الماضية من قبل مقرر هذه المحكمة روبن فِنْسنت بأنها لن تتأثر بأي تدخلات خارجية وبأي مساومات شرق أوسطية فإن التجارب وبخاصة في هذه المنطقة تجعل كل معني بهذا الأمر يخشى من ان يذهب دم الحريري فرق حسابات بين القبائل، ومن ان يكون لبنان كبش الفداء الذي سيقطع عنقه على مذبح مصالحات العرب والعجم.

إن ما ينتظره اللبنانيون، ومعهم كل المعنيين بوضع حـد لتسلط القوي على الضعيف، هو ألا تنتهي الأمور الى التضحية ببعض الموظفين الصغار من أجل حماية الرؤوس الكبيرة المتورطة في قتل الحريري والمسؤولة عن كل الاغتيالات التي شهدها لبنان لاحقاً، فهناك تجارب قريبة جداً أثبتت ان لعبة الأمم ليس أمامها محرمات، وأن أكبر الجرائم بالإمكان لفلفتها وفقاً لصفقة مالية وسياسية مجزية.

إنه من حيث المبدأ يجب تصديق مقرر هذه المحكمة عندما يؤكد أنه بإمكان «محكمته» أن تحاكم رؤساء دول وأن تضعهم في السجن، حيث يقبع المجرم الصربي رادوفان كراديتش، وأيضاً فإنه من حيث المبدأ يجب تصديق المـَصْدر في الخارجية الأميركية الذي قال إن الرسالة الرئيسية من المحكمة الدولية والموجهة الى منفذي الاغتيالات السياسية في لبنان هي ان عهد الإفلات من العقاب قد ولّـى... لكن ورغم كل هذه التأكيدات فإنه لا يمكن إغفال أن هناك لعبة أمم وأن دم الحريري قد يتوزع بين هذه الأمم والقبائل وفقاً لهذه العملية!

كاتب وسياسي أردني