منذ زمن بعيد وبضعة مجالس سابقة فقدت القدرة على فهم عقليات الساسة في هذه البلاد بشكل عام وأعضاء مجلس الأمة بشكل خاص. وعزائي كان أن الوقت كفيل بأن يُجلي الضباب عن «الحكمة العليا» أو أنه «يعلم الشطار»، خصوصا أن الثقافة الديمقراطية الحقة بحاجة إلى الكثير والكثير من الممارسة والتجربة. والمأزق الآن أننا لا نملك هذا الوقت بعد اليوم. فتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية لا يمكن تجاهلها، وبقاء البلد بأكمله أصبح على كف عفريت. فهل يسمو أعضاء مجلسنا الموقر لهذا الدور الجسيم المنوط بهم؟

Ad

لنر الأولويات منذ بداية الأزمة: الضغط باتجاه إلغاء مشروع «الداو» دون أن يظهر دليل واحد حتى الآن على سوئه أو أي ممارسات غير قانونية أو لا أخلاقية في تنفيذه. ثم كمّ الاستجوابات المفتعل- في قضايا تافهة وثانوية- الذي شلّ البلد لفترة غير قصيرة في المفاوضات وتغيير الحكومة. بعدها مسرحية احتفالات «راس السنة» و«هلا فبراير» و«اللجنة الدخيلة»، يليها الدفع باتجاه إلغاء القروض وشراء مديونية المواطنين واستخدامها كورقة مساومة لإنقاذ الاقتصاد. والمفاجأة الأخيرة هي- بالإضافة إلى تحديهم لمحاولاته تهدئة الأمور حتى لا تصل إلى الحل في هذا الوقت الحرج- تصريح أمير البلاد حول استغلالهم لأبشع مأساة إنسانية لتوفير المزيد من الدعم «الرسمي» لـ«حماس» في غزة بعدما اتضح حجم مراهقتها السياسية ومخاطرتها الفجة بأرواح الأبرياء.

ما هي دوافع هذه المواقف؟ وما هي المبررات خلف تلك القرارات؟ بالتأكيد ليس العلم أو المنطق أو حتى الرغبة الصادقة في إعلاء مصلحة الوطن. فهي، بأحسن الحالات، ريبة وعدم ثقة في الحكومة- وأقول أحسن الأحوال لأن الحكومة أعطتهم بعض الحق في هذه الريبة. ولكن في معظم الأحوال هي محاولات تكسُّب انتخابي وحزبي صريحين... وإن كانا على حساب بقاء المجلس وبقاء الدولة بأكملها!

كتبت بعد نتائج الانتخابات الأخيرة أن عمر السلف السياسي سيكون قصيراً لعقليتهم الانتحارية في التعامل مع الأمور بشكل عام. ويبدو أن هذه العقلية قد انتقلت عدواها إلى كثيرين من زملائهم. والمأساة أن الثمن هذه المرة لن يكون حياتهم أو مستقبلهم السياسييّن ... فحياة ومستقبل الوطن بأكمله على المحك.

أملنا ليس في الحكومة ولا المجلس للأسف، فالأولى ضائعة والثاني «يضيِّع بلد»... أملنا الوحيد هو الضغط الشعبي الموحد على كليهما حتى «يصطلحا» أو يرحلا... فالمسألة مسألة بقاء يا قوم!