حتى يكون هناك إمكان فعلي لمصالحة عربية-عربية ومصالحة فلسطينية-فلسطينية، فإنه لابد من: إما ان تخرج سورية ومعها «حماس» نهائياً من الإطار الإيراني، أو ان تغير إيران سياساتها وتوجهاتها وتوقف تدخلاتها السافرة في الشأن العربي، وتضع حداً لاستهداف مصر، أمَّا ان يبقى كل شيء على ما هو عليه ويبقى الإيرانيون باسم «الممانعة والمقاومة» يفعلون هذا الذي يفعلونه، فإن محاولات استعادة تضامن العرب ستكون مجرد غمامة صيف ستنقشع بمجرد انتهاء قمة الدوحة، التي من المقرر ان تنعقد في الثلاثين من هذا الشهر.
قبل أيام وبينما كان وزراء خارجية عرب «المصالحات» يتبادلون القبل في القاهرة ويبشرون الشعوب العربية بأنه وداعاً للخلاف والاختلاف، أطلقت إيران دعوة جديدة إلى قيام تحالف أمني بينها وبين سورية والعراق، وهذا يعني ان الإيرانيين ماضون بإصرار على طريق تصدير ثورتهم واستعادة الأمجاد الغابرة للإمبراطورية الفارسية، وإن بعمامة سوداء وبركات «الولي الفقيه». وحقيقة ان هذا هو ما عناه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عندما شدد في كلمته أمام المجلس الوزاري العربي الأخير في القاهرة «على ضرورة صوغ رؤية عربية موحدة إزاء القضايا ذات المساس المباشر بالأمن العربي، مثل النزاع العربي-الإسرائيلي والتعامل مع التحدي الإيراني في ما يتعلق بالملف النووي وأمن منطقة الخليج، وإقحام أطراف خارجية في الشؤون العربية إن في العراق أو في فلسطين أو في الساحة اللبنانية». لن تكون هناك أي مصالحة عربية فعلية إذا بقي تحالف «الممانعة والمقاومة» قائماً، والمعروف ان اختلاف العرب لم يبدأ بالأساس إلا بعدما بلغ التدخل الإيراني، باسم هذا التحالف، ذروته في الشؤون اللبنانية والفلسطينية الداخلية، وبعد ان كشّرت إيران عن أنيابها وأخذت تنثر جمر البغضاء في اتجاه العرب الذين صنفتهم على أنهم معسكر الاعتدال الموالي للولايات المتحدة الأميركية! يجب ان تكون الأمور واضحة منذ الآن، فالمصالحة على الطريقة العربية المعتادة ستؤدي بالنتيجة الى ما هو أسوأ من الواقع الحالي، وهنا فإن الصراحة الإيجابية تقتضي القول إنه إذا كان ضمان انعقاد قمة الدوحة التي كان انعقادها موضع شكوك كثيرة هو الذي استدعى كل هذه الصحوة التصالحية، فإنه على العرب ان ينتظروا مرحلة تمزقٍ مقبلة ستكون أسوأ من المرحلة السابقة. إن انعقاد هذه القمة بحد ذاته يجب ألا يكون هو الهدف، والمصالحات التي يجري الحديث عنها الآن يجب ألّا تكون مجرد «لفلفات» من أجل ضمان عقد قمة الدوحة، فالوضع العربي المتردّي بحاجة الى وقفة جادة عند هذا المنعطف الخطير، والقمة المقبلة، إن لم تحصل هذه الوقفة الجادة المطلوبة، من الأفضل ألّا تنعقد لا هي ولا أي قمة جديدة أخرى على شاكلتها.كاتب وسياسي أردني
مقالات
حتى تكون المصالحات حقيقية!
08-03-2009