جار رائع... ومشروع جميل!

نشر في 29-01-2009
آخر تحديث 29-01-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي رغم أن جيراني في السكن كلهم، بحمد الله، رائعون، لكن حديثي اليوم سيكون عن جاري في هذه الصفحة، الذي يحتل الرواق الأيسر منها تحديداً، حيث يدون إبداعاته الفكرية التي تعبر عن شخصية فريدة تعشق التميز وتكره التقليد، نعم، هو ذاته الذي تنظرون إلى صورته الآن، صاحب النظرة المستغرقة في التأمل كفيلسوف إغريقي قديم!

قبل أن أتعرف على الدكتور ساجد العبدلي، كنت من المتابعين الدائمين لمقالاته الجميلة رغم أنها تخالف توجهاتي في كثير من الأحيان، إلا أنني كنت دائما أكن احتراما غير محدود لكاتبها، فقدرته على إيصال أفكاره، وتمكنه من نسج عباراته، وحرصه على معالجة القضايا المطروحة من زوايا لم يتطرق لها أحد، كانت دوما محل إعجابي وتقديري، ولطالما تساءلت بيني وبين نفسي: من أين يأتي هذا الرجل بكل هذا الإبداع والتميز؟!

وشاءت الأقدار أن أتعرف عليه شخصيا، فأدركت أن إبداعه وتميزه ما هو إلا انعكاس لشخصيته الرائعة التي جمعت الثقافة العالية، والذكاء الوقاد، والتواضع الجم، والصدق مع الذات، فلا عجب إذن، ممن كانت هذه صفاته أن يختلف ويتميز عن الآخرين!

«أبو فيصل» نموذج للإسلامي المتنور المتسامح مع الآخر، الذي يقبل تنوع المجتمع فكريا وعقائديا وسياسيا، وهو عاشق للقراءة في شتى المجالات وكل الثقافات، وهو بعيد كل البعد عن النموذج التقليدي للمثقفين الإسلاميين الذين تقتصر قراءاتهم على نمط واحد من الكتب!

في أول حديث بيننا، تحدث الدكتور عن دور المثقف الحقيقي نحو مجتمعه، وأنه يجب ألا يقتصر فقط على النقد السياسي والاجتماعي من خلال الكتابة، بل يجب أن يتوسع نشاطه بين عموم الناس ليساهم في تنشيط الحراك الثقافي في مجتمعه!

وقلت حينها لنفسي «كلام مكرر»، يقوله المثقفون مرارا وتكرارا، دون أي تحرك منهم على أرض الواقع، فجميعهم يظن أن تثقيف المجتمع شأن حكومي بحت على الحكومة أن تقوم به وتؤديه على أتم وجه، وهذا طبعا هو آخر ما يخطر على بال الحكومة «غير الفاضية» لمثل هذه «الخرابيط»!

واتضح لي أن «ساجد» لا يفكر بهذه الصورة، بعد أن زرته في صالونه الأدبي الذي افتتحه أخيرا، وأسماه «بيت خمسة»، وهو عبارة عن «فيللا» استأجرها على حسابه الخاص وضمنها العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة، مثل مجموعة القراءة، ونادي السينما، وركن الأطفال، وجناح للأنشطة النسائية، ومكتبة للقراءة والاطلاع، وقاعة للمحاضرات والدورات الثقافية والتعليمية.

وقد حضرت شخصيا جلستين لمجموعة القراءة، وأخرى لنادي السينما، واستمتعت كثيرا بالنقاشات الفكرية التي دارت بين الحضور، ونويت أن أنتظم فيهما، فالأجواء جميلة وهادئة والحوارات أجمل، وقد تمنيت وأنا أعيش هذه اللحظات الرائعة، لو أن في كل ركن من وطني صالونا أدبيا وفكريا كهذا يغذي العقول ويوسع المدارك، ويعلمنا كيف نتقبل اختلاف الآخر ونحترم شخصه وعقله وفكره.

كنت أقول دائما إن مشكلتنا الحقيقة في هذا الوطن ثقافية بالدرجة الأولى، وإنه كلما ازداد تخلفنا الثقافي، انحدرنا وتخلفنا وتطرفنا وتعصبنا، وافتعلنا المشاكل دون سبب منطقي!

والمثقفون الذين ينتظرون من الحكومة أن تقوم بواجبها نحو الثقافة واهمون، تكفي نظرة واحدة إلى مكتباتنا العامة البائسة التي غدت كالخرائب المهجورة، من فرط الاهتمام الحكومي «الرائع»!

إن ما يقوم به الدكتور ساجد من جهد كبير في مشروعه الثقافي غير الربحي، وما يتحمله ماديا من أجل أن يقوم بدور فاعل نحو مجتمعه، أمر يستحق التقدير، وخطوة رائدة نتمنى أن تتبعها خطوات أخرى، وأن تلقى تشجيعا معنويا وماديا من محبي الثقافة المقتدرين، الذين يريدون أن تعود الكويت منارة للحرية والعلم والثقافة والمعرفة كما كانت سابقا.

***

لمزيد من المعلومات عن «بيت خمسة» وأنشطته الثقافية زوروا هذا الموقع: http://www.bait5.com

back to top