كنا نأمل أن يخرج مشروع قانون جمعيات النفع العام المقدم من وزير الشؤون لمجلس الوزراء والخاص بتعديل القانون رقم 24 لسنة 1962 في شأن الأندية وجمعيات النفع العام، متماشياً مع ما يشهده العالم من انفتاح وديمقراطية وتوسع في الحريات المدنية، وأن يواكب الدور الكبير الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في عملية التنمية الشاملة، لاسيما أن التعديل يأتي بعد فترة طويلة من الممارسة الديمقراطية، وبعد عمل مميز ورائد لمؤسسات مجتمعنا المدني.

Ad

غير أن مشروع القانون الجديد أتى مخيّباً للآمال ومتناقضاً، بكل أسف، مع روح العصر ومع تطورنا الديمقراطي، مما يعود بالكويت إلى فترة ما قبل الدستور.

والمفارقة المؤسفة والمضحكة في الوقت عينه، أن القانون القديم رقم (24) الصادر عام 1962 أكثر تقدمية من مشروع القانون الجديد المقدم في عام 2008، لأن مشروع القانون الجديد المعدل يفرض سلطة «بوليسية» للحكومة على مؤسسات المجتمع المدني، تجعلنا نترحم على القانون القديم الذي وُضع في بداية ستينيات القرن الماضي!

احتوى مشروع القانون المعدل الكثير من المواد التي تحجِّم عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحولها إلى إدارات حكومية تابعة لوزارة الشؤون، وهذا يتنافى تماما مع تعريف العالم الديمقراطي لمؤسسات المجتمع المدني، كونها مؤسسات غير حكومية مستقلة.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ المادة (4) من هذا المشروع تحظر على الجمعية «التدخل في السياسة»، وهو مصطلح عام وفضفاض ونسبي أيضا يختلف تحديده من طرف لآخر.

أما المادة (6)، فإنها تنص على أن «للوزارة رفض الترخيص بتأسيس الجمعية للأسباب التي تراها»!، «وتخطر المؤسسين برفض الترخيص وأسبابه في موعد لا يتجاوز تسعين يوما»... ثم في نهاية المادة ذاتها نقرأ: «ويعتبر فوات الميعاد المُشار إليه دون رد من الوزارة بمثابة رفض في التأسيس»، بمعنى آخر، فإن الوزارة غير ملزمة بإبداء أسباب الرفض، وهذا يتناقض مع مبدأ شفافية القرارات الحكومية.

وتمنح المواد (11 و12 و13) الوزارة حق التدخل بشكل سافر في أعمال الجمعية، إذ تجيز المادة (11) للوزير «أن يعين بالإضافة إلى الأعضاء المنتخبين عضوا أو أكثر في مجلس الادارة، بما لا يتجاوز نصف أعضاء المجلس المنتخبين، ولا تسري على هؤلاء أحكام المادة السابقة»، أي المادة (10) التي تبين مدة العضوية وكيفية تجديدها، وتشترط «في عضو مجلس الإدارة أن يكون كويتي الجنسية ولا يجمع بين عضوية مجلس الإدارة والعمل في وظيفة في الجمعية بأجر أو مكافأة»، وهذا يعني أنه يجوز للوزير تعيين موظفي الجمعية غير الكويتيين أعضاء في مجلس الإدارة بصورة دائمة!

وتأتي المادة (12) لتزيد الطين بلّة، إذ تؤكد أن «للوزارة أن تطلب عقد مجلس الإدارة إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وتحدد الوزارة في كتابها الموضوعات التي ترى عرضها على المجلس، ويجب على مجلس الإدارة أن ينظر في هذه المسائل في الموعد الذي تحدده الوزارة، أو خلال شهر على الأكثر من تاريخ تسليم مجلس الإدارة الكتاب»!

ثم تكمل المادة (13) حلقة تدخل الحكومة في أعمال الجمعية أو النادي، فتنص صراحة على وجوب «إبلاغ الوزارة بصورة من محاضر اجتماع مجلس الإدارة، وما اتخذ من قرارات خلال أسبوعين من تاريخ الانعقاد»!

وتتوالى مواد مشروع القانون «العجيب الغريب» المقيّدة لعمل مؤسسات المجتمع المدني، إلى أن نصل إلى المادة (31) التي تجيز للوزير حل الجمعية، حيث تمنحه الفقرة (5) من هذه المادة هذا الحق «إذا اقتضت دواعي المصلحة العامة أو الأمن العام أو السلامة العامة ذلك»، وكما هو معروف، فإن كل هذه «الدواعي» هي تعبيرات مطاطة وفضفاضة وذات طبيعة نسبية.

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل إن المادة (37) توقع عقوبة الحبس على من «جمع أموالا أو تبرعات أو أقام حفلات أو معارض أو قبل وصايا أو هبات لحساب الجمعية على خلاف أحكام هذا القانون أو القرارات الصادرة تنفيذا له»!

باختصار، فانه إذا ما أُقر مشروع القانون المقدم من وزير الشؤون في صيغته الحالية، فانه سيلغي وجود مؤسسات المجتمع المدني، مما يعتبر تراجعاً عن نص وروح دستور 1962.