Ad

تتجسد أهمية انتصار أوباما في نقطتين أساسيتين هما: بداية انتصار الليبرالية على التطرف اليميني الديني، وسقوط جدران التمييز والعنصرية، أما النقطة الأخرى فهي تحقيق الأسطورة الأوبامية التي تحقق حلم مارتن لوثر كينج القديم في التخلص من آفة العنصرية والتمييز في أميركا.

بانتصار أوباما، عمَّت الاحتفالات العالم من أقصاه إلى أقصاه، واعتبر المحللون والسياسون والكتّاب، في كل مكان في العالم، فوزه حدثا تاريخيا جللا... كون وصول إفريقي أسود من أب «مسلم»، لأول مرة في التاريخ، إلى أعلى منصب قيادي في الولايات المتحدة إنجازا إنسانيا عظيما، ومؤشرا واضحا على تجاوز عقد العنصرية وتحطم الحواجز بين الأعراق والإثنيات والأديان.

ولأول مرة في التاريخ يجتمع معظم الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وتوجهاتهم وأصولهم على فرحة الانتصار لرئيس أعظم دولة في العالم... حتى المحافظين والمتطرفين في شرقنا هللوا وصفقوا ابتهاجا بفوز أوباما الليبرالي... الغريب في أمر هؤلاء الأصوليين أنهم كانوا قبل يوم واحد من الانتخابات يلعلعون ويجلجلون بانهيار الرأسمالية والليبرالية الأميركية التي يدَّعون أنها انتهت إلى غير رجعة... والأغرب من ذلك هو كرههم لنظام بوش و«المحافظين الجدد» المتطرف الذي أدخل العالم في فوضى عالمية عارمة بسبب سياساته الحمقاء... وهم محقون في ذلك... ولكنهم حقيقة يجهلون أنهم يقعون كعادتهم في ازدواجية فاقعة... فالمحافظون الجدد لا يختلفون عن تطرف وراديكالية أصحابنا «إن لم يكونوا أكثر تطرفا»... فهم وجهان لعملة واحدة... والأدهى من ذلك أن هؤلاء المتطرفين لا يعترفون أن تأييدهم لأوباما هو تأييد واضح وجلي لليبرالية المتسامحة العادلة التي تلتزم بقيم الإنسانية والمساواة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المذهب أو الدين أو الخلفية الاجتماعية.

تتجسد أهمية هذا الحدث في نقطتين أساسيتين وهما: بداية انتصار الليبرالية على التطرف اليميني الديني، (التطرف الإسلامي والمسيحي واليهودي على حد سواء)، وسقوط جدران التمييز والعنصرية، فالليبرالية تستمد قوتها من إيمانها بالتغيير والمستقبل والسلام والحوار بدلا من الأحادية والماضوية والمواجهة والعنف. فقد رأى الناس فيها الأمل والإرادة والرفاه بعد أن تجذرت الكراهية والتطرف والحروب والفقر واليأس بسبب سيطرة «المحافظين الجدد» المتزمتين على الحكم لثماني سنوات عجاف... لم تجن من تطرفها إلا تطرفا معاكسا وتزايد بؤر الإرهاب وتوغل الطائفية والتعصب والكراهية... انتهاءً بكساد اقتصادي مدمر بسبب رأسماليتها الشرسة غير المقيدة والمنحازة لمصلحة الأثرياء على حساب الطبقة الوسطى والفقراء... وهي بذلك، أي قوى التطرف، تصنع نهايتها بيدها... فلا بقاء لها من دون قابلية التغيير والتجديد، ولا استمرارية من دون تعميق قيم الحرية والتسامح والعدالة الاجتماعية... هل يعي متزمتونا هذا الدرس؟... أشك.

أما النقطة الأساسية الثانية، فهي تحقيق الأسطورة الأوبامية الكوزموبوليتانية التي تحقق حلم مارتن لوثر كينج القديم في التخلص من آفة العنصرية والتمييز في هذا البلد، فهو أميركي من أصل كيني... أمه بيضاء... تعلم في مدارس إندونيسيا الإسلامية وعاش في جزر الهاواي مع جدته وجده... وأصبح سيناتورا عن ولاية إلينوي... هو بالفعل انتصار كاسح وإنجاز عظيم لليبرالية الإنسانية وإنقاذ لـ«الحلم الأميركي»... في الوقت الذي يعاني فيه الشيعة والأقباط والأكراد والبدون والبهائيون وغيرهم في شرقنا البائس تمييزا وعنصرية وتفرقة فى المعاملة... وحين يحلمون بالحلم نفسه ويحاولون تحدي المعوقات ويتصدون لمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، تتكاثر عليهم هجمات الغوغاء والدهماء لتتهمهم في وطنيتهم وولائهم!

ونتساءل: هل سندرك نحن -العرب المسلمين- سر ومغزى رسالة أوباما التغييرية؟ وهل سنعي أهمية مقولة مارتن لوثر كينج الشهيرة التي أسست لهذا الإنجاز العظيم: «علينا أن نعيش مع بعضنا بعضا كإخوة أو أن ننقرض عن الوجود كأغبياء»... وهل سنفهم هذه الرسالة؟ لست أدري!