قضية الصواريخ من جديد

نشر في 11-07-2008
آخر تحديث 11-07-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت يبدو أن المناقشة الدائرة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن خطط الولايات المتحدة الرامية إلى نشر أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا احتدمت من جديد.

كانت الخلافات المستمرة مع بولندا بشأن الشروط التي وضعتها لقبول الصواريخ الاعتراضية الدفاعية سبباً في دفع المسؤولين الأميركيين إلى التلميح بإمكان التفكير في ليتوانيا كموقع بديل لنشر صواريخها. ويبدو أن المقصود من هذا التحول الضغط على بولندا لدفعها إلى إظهار قدر أعظم من المرونة في المفاوضات، إلا أنه مجرد تفكير أميركا في إنشاء قواعد عسكرية في دولة كانت ذات يوم جزءاً من الاتحاد السوفييتي كان كافياً لزيادة حدة الغضب في الكرملين.

في شهر يونيو طار كبير المفاوضين في هذه القضية من جانب الولايات المتحدة إلى ليتوانيا لإطلاع حكومتها على وضع المفاوضات البولندية الأميركية، إذ تسعى أميركا إلى نشر عشرة صواريخ اعتراضية في بولندا، ومحطة رادار متقدمة مضادة للصواريخ في جمهورية التشيك، وفي هذا الأسبوع زارت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس مدينة براغ للتوقيع على اتفاقية مع الحكومة التشيكية، إلا أن المحادثات البولندية الأميركية مازالت على الطريق المسدود نفسه.

رغم أن وزارة خارجية الولايات المتحدة رفضت وصف مناقشات رود في فيلنيوس بالمفاوضات الرسمية بشأن اختيار موقع بديل، فإن وزارة الدفاع أقرّت بأن أميركا كانت تفكر في خيارات بديلة في حالة فشل المفاوضات مع بولندا في الخروج من الطريق المسدود الذي بلغته.

وبينما أكد وزير دفاع ليتوانيا جوزاس أوليكاس أنه يتوقع نجاح بولندا وأميركا في التوصل إلى اتفاق، فإنه أضاف: «إن ليتوانيا قد تفكر في إمكان المشاركة في الدرع المضاد للصواريخ إذا طُـلِب منها ذلك، ولسوف يكون لزاماً علينا أن نضع في الحسبان كل المزايا والعيوب».

يرجع تعطل إتمام الاتفاق البولندي الأميركي إلى عاملين، فالمسؤولون البولنديون يريدون تعويضاً في هيئة تحديث عسكري بتمويل من الولايات المتحدة، فضلاً عن ترتيبات أخرى مصمّمة لضمان عدم إلحاق الضرر بأمن بولندا بسبب نشر هذه الأنظمة، إلا أن المسؤولين الروس أشاروا إلى الانتقام من بولندا إذا ما قَبِلَت إنشاء الصواريخ الاعتراضية على أراضيها.

أثناء الأشهر القليلة الماضية، عرض المسؤولون الأميركيون مقترحات الهدف منها تسكين المخاوف الأمنية الروسية بشأن الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية، وترمي إجراءات بناء الثقة المزمعة إلى زيادة شفافية العمليات والحد من أي خطر نظري قد تفرضه هذه الأنظمة على ترسانة الصواريخ الروسية.

أثناء لقاء القمة الأخير الذي جمع بين الرئيس بوش والرئيس الروسي آنذاك فلاديمير بوتين في مدينة سوشي في أبريل 2008، امتدح بوتين ما وصفه على نحو غريب بالجهود الأميركية المخلصة في مراعاة المخاوف الأمنية الروسية، وفي تصريح إعلامي قال بوتين: «لا شك من حيث المبدأ أننا قادرون على التوصل إلى الإجراءات المناسبة لبناء الثقة وتعزيز الشفافية». إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أعلن أخيراً أن الحوار بين روسيا والولايات المتحدة في ما يتصل بإجراءات بناء الثقة وصل إلى طريق مسدود.

حتى الآن مازالت التفاصيل المحددة بشأن ما يعرضه الأميركيون غير واضحة، إلا أن المصادر الروسية والأميركية أعلنت ارتياحها لسير الأمور عموماً، إذ اقترحت أميركا أن يقوم موظفون روس، بموافقة الحكومات المضيفة، بإجراء عمليات تفتيش شاملة على القواعد، فضلاً عن ذلك فقد عرض المسؤولون في الولايات المتحدة عدم تشغيل الأنظمة إلا إذا أظهرت إيران القدرة على شن هجوم بالصواريخ الباليستية على أوروبا، وأخيراً، أشار المسؤولون الأميركيون إلى استعدادهم لقبول تقييد مدى صواريخ الأنظمة الدفاعية التي ستنشر بجوار روسيا من أجل تجنب التهديد المحتمل بإرباك أنظمة الصواريخ الباليستية الروسية.

بيد أن ترجمة هذه التفاهمات إلى قيود عملية للسيطرة على الأسلحة تشكل تحدياً كبيراً، إذ إن دور روسيا يظل حتى الآن غير واضح في تقرير ما إذا كانت إيران قادرة على تهديد أوروبا بالهجمات الصاروخية، وهو الخطر الذي من شأنه أن يبرر تشغيل أنظمة اعتراض الصواريخ في بولندا، فقد اختلف الجانبان لأعوام في ما يتصل بتقرير ما إذا كانت إيران تشكل تهديداً حقيقياً لأمن حلف شمال الأطلنطي. دأب المحللون الروس على اتهام الأميركيين بالمبالغة في تضخيم القدرات الإيرانية بهدف تبرير إنشاء أنظمة الدفاع الصاروخية في أوروبا، التي تهدف في الحقيقة إلى مجابهة الردع النووي الروسي، ويعلن المسؤولون الأميركيون بإصرار أنهم لن يعطوا روسيا الحق في الاعتراض على العمليات الخاصة بأنظمة الدفاع الصاروخية الغربية.

بالإضافة إلى ما سبق، يطالب بوتين ومسؤولون روس آخرون بمنح روسيا حق الوجود الدائم في المنشآت الخاصة بالأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية لمراقبة عملياتها، كما صرّح لافروف علناً بأن روسيا سوف تصر على الوجود العسكري الدائم في المواقع المفترضة لبناء الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية في بولندا وجمهورية التشيك بهدف مراقبة الأحداث في هذه المنشآت «ثانية بثانية». في المقابل، أعلن قادة جمهورية التشيك وبولندا، ومازالت ذكريات الاحتلال الروسي والسوفييتي حية في أذهانهم، رفضهم الصريح لاستضافة أي حضور روسي دائم، وبعد يوم واحد من قمة سوشي حذّر نائب وزير الخارجية البولندي فيتولد فاشيكوفسكي قائلاً: «إن الوجود الروسي في بولندا أمر غير مطروح للنقاش على الإطلاق، لقد شهد الماضي اللجوء إلى مثل هذا الحل، ولن يتكرر ذلك أبداً»، وفي الخامس من يونيو أعاد وزير الخارجية رادوسلاف سيكورسكي التأكيد على أن بولندا على استعداد للسماح لممثلي الحكومة الروسية «بالوصول المنتظم إلى القواعد بغرض التفتيش» ولكن ليس «الوجود الدائم» الذي تسعى إليه موسكو.

في الماضي سعت جمهورية التشيك وبولندا إلى المعاملة بالمثل من جانب الكرملين، إلا أن المسؤولين الروس امتنعوا عن النظر في مسألة منح ممثلي جمهورية التشيك أو بولندا حق الوصول إلى المواقع الدفاعية الروسية، ولو في زيارات تفتيش قصيرة الأمد، باعتبارها «فكرة سخيفة». ومن الواضح أن المسؤولين في جمهورية التشيك وبولندا تخلوا عن الفكرة.

رغم ذلك فمازال من غير الواضح ما هي الخطوات التي قد تتخذها الولايات المتحدة للتغلب على المخاوف الروسية في حالة الاضطرار إلى تشغيل الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ الباليستية- إذ ستسارع أميركا إلى زيادة قدرات دفاعاتها الصاروخية حول روسيا، على سبيل المثال، ليس من الواضح متى أو أين تنطبق أي حدود أو قيود، وإلى أي مدى قد تدوم، وما إذا كانت هذه الحدود قد تقيد برامج الأبحاث والتنمية المشتركة التي تديرها الولايات المتحدة مع حلفاء أجانب مثل أستراليا، وإسرائيل، واليابان.

علاوة على كل ما سبق فليس من الواضح كيف قد يتم تنفيذ أو فرض هذه التدابير، فإدارة بوش تتجنب الاتفاقيات الصارمة الخاصة بالتسليح، التي من شأنها أن تحد من المرونة التي تتمتع بها الولايات المتحدة في الرد السريع على التهديدات. ولكن في إطار مفاوضات الحد من الأسلحة الأخيرة رفض قادة روسيا الاتفاقيات غير الرسمية، وأصروا على دخول الولايات المتحدة في مفاوضات رسمية للتوصل إلى معاهدات قانونية ملزمة، ومن المعقول في الواقع أن يخشى قادة روسيا أن تقرر أي حكومة من حكومات المستقبل في جمهورية التشيك أو بولندا أو ليتوانيا أو الولايات المتحدة التوقف عن التقيد بأي تفاهمات غير رسمية، وبالتالي وضع روسيا أمام أمر واقع.

* ريتشارد فايتز، كبير زملاء ومدير مركز التحليل السياسي والعسكري في معهد هدسون.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top