حرام الزرازير وحلال الهوامير!
إن تعاطف الكثير من النواب مع أزمة القروض لم يكن دغدغة مشاعر ولا مكاسب شعبوية، فقد انبرى نفس هؤلاء النواب قبل غيرهم للدفاع عن البورصة وإنقاذ رجالاتها وشركاتها، فعسى أن يبين ذلك في عيون الحكومة وحلفائها من التجار ومن يدور في فلكهم!مع بدايات أزمة القروض الاستهلاكية والمقسطة التي تدحرجت وكبرت ككرة ثلج خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات بسبب قرارات البنك المركزي بالاستمرار في ربط الدينار بالدولار، ونهم البنوك في إغراق الناس بالديون الثقيلة التي أثقلت معها الفوائد التراكمية، كانت الحكومة وبعض المؤسسات النقدية وكتّاب الصحافة وأعضاء مجلس الأمة يصفون المواطن الكويتي بالمسرف والمدلل، ويحرمون أي حل لهذه المشكلة حرصاً على المال العام وهيبة الدولة!
وبسبب الإهمال من جهة لفرض المزيد من الرقابة على البنوك ومصاصي الدماء، والعناد والمكابرة من جهة أخرى لسبب واحد وهو كون شريحة المقترضين هم من البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة ولا نفوذ، فاستفحلت المشكلة لدرجة أن قيمة الفوائد تجاوز أصل إجمالي الدين حوالي ربع سكان الكويت، بل عندما تقدم بعض النواب لتقديم قوانين لحل هذه المشكلة تم حل مجلس الأمة برمته.ومن حيث لا يحتسب أحد، وحتى قبل أن يجف حبر اللائحة التنفيذية لقانون الحكومة في شأن صندوق المعسرين الذي يعتبر وجوده من عدمه سيّان، عصفت كارثة بالبورصة، وقامت صيحات الاستغاثة بالحكومة من جديد، ولكن هذه المرة من قبل الهوامير، وبقدرة قادر شرعت أبواب الخزينة العامة للدولة ولم تعد أموال الأجيال القادمة ولا تأخير المشاريع التنموية ولا مفهوم الكويتي المدلل خطوطاً حمراء، وظهرت مئات الملايين لتضخ في السوق كي لا تنهار الدولة! فما كان حراماً على المواطنين المدينين «الزرازير» أصبح حلالاً لكبار «الهوامير» مع العلم أن أسعار النفط أثناء أزمة القروض تجاوزت 150 دولاراً بينما أصبح سعر النفط عندما أصبحت الحكومة كريمة مع علية القوم 50 دولاراً، ولم يحتج أحد من باب المحافظة على الفوائض النفطية! وما كان محظوراً على 200 ألف مواطن أصبح مباحاً لـ200 شركة وملاكها الـ20!بل حتى تأخر الحكومة في خطة إنقاذها للبورصة كان مدروساً فلم تتدخل بضخ الأموال حتى تم إفلاس الآلاف من صغار المستثمرين وضاعت مدخرات عجائزهم ونسائهم وأطفالهم، وبقيت أمهات الشركات للاستفادة من الضرع الحكومي الدسم، بل الأدهى من ذلك كله أن شريحة التجار وعقلية الشركات طالما كانت تنادي بالاقتصاد الحر ومنع الدولة من التدخل في الاقتصاد لتحكيم عوامل العرض والطلب.وليس المقصود من هذه المقارنة التشفي أو الانتقام لحوبة الزرازير أو الدعوة لانهيار المنظومة الاقتصادية للدولة بقدر ما هي دعوة صريحة لكي يعرف الهوامير أيضاً طعم الخسارة، ويستشعروا هموم مئات الآلاف من البسطاء، وما يتعرضون له يومياً من كوابيس القلق على مستقبل أبنائهم، وكيف يكون الصراخ على قدر الألم!! والدعوة الأخرى للحكومة بأن الزمان دوار، وكفاية النظر إلى شرائح المجتمع الواحد بعين عوراء لا ترى إلا فئة محدودة تستنفر دائماً من أجلها فتحلل الحرام وتحرم الحلال، وإن المبدأ الدستوري الذي يفرض تدخل الدولة في معالجة الكوارث لا يميز بين الغني والفقير، وإن المنظومة الاقتصادية الوطنية كل لا يمكن أن يُجزّأ والمحور الإنسان.وأخيراً إن تعاطف الكثير من النواب مع أزمة القروض لم يكن دغدغة مشاعر ولا مكاسب شعبوية، فقد انبرى نفس هؤلاء النواب قبل غيرهم للدفاع عن البورصة وإنقاذ رجالاتها وشركاتها، فعسى أن يبين ذلك في عيون الحكومة وحلفائها من التجار ومن يدور في فلكهم!