قضية الإصلاح بين الشرق والغرب (4-4)
![د. عمار علي حسن](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1486988020208745100/1486988020000/1280x960.jpg)
وفي السياق العام المعاصر، اعتنى العالم العربي بقضية «الإصلاح» عناية كبيرة ردا على الضغوط الأميركية التي بُنيت على ربط واشنطن في لحظة ما بعد حدث 11 سبتمبر بين «الإرهاب» و«الاستبداد»، ودار جدل واسع حول هذه المسألة، وعلى غزارته، انتظم السجال الفكري العربي حول قضية الإصلاح السياسي في ثلاثة مسارات أساسية، ليس منبتة الصلة عن بعضها بعضا، بل إن كلا منها يكمل الآخر، أو يفسره، أو يجلي غموضه. الأول هو زمنية الإصلاح، حيث تناقش العرب حول ما إذا كان من الضروري حرق مراحل الإصلاح أم يجب التدرج فيه، والثاني هو اتجاه الإصلاح لمعرفة ما إذا كانت المسيرة يجب أن تبدأ من القمة لإصلاح «الحكام» أم من القاع لإصلاح الشعوب، والثالث هو جهة الإصلاح، بمعنى ما إذا كان سيتم بيدنا أم بيد عمرو «الجماهير»، وما إذا كان رفض ما لدى الآخر فرصة سانحة لنقد الذات العربية، لتحصينها ضد الغزو. ويتواصل جهد المثقفين والباحثين والخبراء والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني ورموز المعارضة من أجل تحصيل إصلاح حقيقي وشامل، يضمن تداول السلطة وانتقالها بشكل سلمي، بعد أن تختفي كل القوانين الاستثنائية والسالبة للحريات العامة، حرية التفكير والتعبير والتدبير، وتتحرر النقابات العمالية والمهنية، والجمعيات الأهلية، من قبضة السلطة الغاشمة، والقوانين الظالمة، وتضع جمعية تأسيسية دستورا جديدا، فيشرف القضاء على الانتخابات، وتتساوى فرص المتنافسين السياسيين، ولا يحكم رئيس أكثر من مدتين، ولا يورث حكم، وتختفي كل ألوان القهر والجور، وكل أشكال الزيف والتلاعب والتحريف، وكل أنواع التمييز على أساس الطبقة والمهنة والدين ولون البشرة والموقف السياسي، وكل الأسوار التي تحجز الغلابة عن المترفين. وهناك من يدعو إلى تغيير السياق العام الذي يحيط بالعمليات والسلوكيات السياسية والاقتصادية، بحيث يتم الانتقال من الاعتماد التام على السلطة إلى تحمل المسؤولية الفردية في مجال صنع مختلف القرارات، والانتقال من الإحجام إلى الانخراط، ومن الانعزال الثقافي إلى التفاعل الاجتماعي الخلاق، ومن المعارضة المطلقة الحدية إلى تبني منظورات تعاونية تقبل الاختلاف، ومن ثنائية الخطأ والصواب إلى التفاهم حول الحلول الوسط، وتبديد مناخ اليأس والقدرية المغلوطة وصولا إلى الثقة بالذات وبذل الجهد من أجل تحديد المصير، والانتقال من الشك المفرط إلى الثبات النسبي والثقة الفعالة، ومن السرية والانغلاق إلى الشفافية والانفتاح، ومن الخضوع القسري إلى الانضباط الذاتي. وبالطبع فإن القائمين على أمر الأنظمة الرسمية العربية يضيقون ذرعا بمصطلح «الإصلاح»، ولذا حاولوا خلال القمة العربية التي انعقدت في تونس عام 2004 استبداله أو التعتيم عليه باستدعاء كلمتي «تحديث» و«تطوير» من التاريخ الثقافي والسياسي غير البعيد، واستخدامها في البيانات والتصريحات الرسمية، ثم انتقل القول إلى الفعل، بانقضاض السلطات العربية على أغلب الاستجابات التي كانت قد أبدتها حيال المطالبة بالإصلاح، وإعادة احتلالها المساحات التي كانت قد انحسر عنها الاستبداد قليلا، لكن كل هذا لم يطمر مصطلح «الإصلاح» ولم يخرس ألسنة المتمسكين به، والمدافعين عنه.* كاتب وباحث مصري