هل أصبح مقررا علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا كلما تم الاعلان عن صفقة «مليارية» او مشروع تكلفته عالية؟ كنا نتحدث عن الفساد في تنفيذ المشاريع، وكيف «طارت الطيور بأرزاقها» فأصبحنا نتحدث عن عدم القدرة على اعداد مشروع متكامل يصمد امام حواجز التشكيك، ويفشل في تجاوز سباق حواجز المصداقية، فهل وصل العجز بنا الى هذا الحد؟

Ad

فإذا كان مشروع بضخامة «المصفاة الرابعة» قد تمت دراسته من كل المؤسسات المتخصصة، ووافق عليه اصحاب الشأن الفني، ووافق عليه جيش جرار من الفنيين والخبراء والمستشارين، ومع ذلك لم يستطع الصمود امام تدقيق تقليدي من ديوان المحاسبة، فإن قيل إن مشروع المصفاة الرابعة كان وراءه مصالح واصحاب نفوذ فما بالنا نقول عن مشروع «داو كيميكالز»، وهو المشروع الذي تم فيه التعاقد والتفاوض مباشرة ودون وكلاء محليين؟

فإن افترضنا ان هناك حالة عجز كامل تسيطر على الاداء السياسي وعلى سياسيينا بصورة عامة، وهي على اي حال، اوضح من ان تحتاج الى اثبات، فهل انسحب ذات الامر ايضا على الاجهزة الفنية، التي يفترض بها ان تدرك الحاجة الى انضاج اي مشروع وتخليصه من اي شوائب قانونية ومحاسبية؟

لا أعرف جدوى اي من تلك المشاريع المليارية، سواء المعلن منها او ما تم دسه تحت السجادة، او ما هو موجود في الادراج ينتظر اللحظة المناسبة للخروج على الملأ، ولا اعرف إن كان القصد منها تنفيع البعض ام انها مشاريع تنموية حقيقية، وسواء أكانت الاولى ام الثانية فقد تحولت المشاريع والاعلان عنها الى حالة قلق بدلا من ان تكون مصدرا للتفاؤل والتحرك نحو الامام، وللاسف ان حالة ثلث المشاريع ليست الا مؤشرا لحالة العجز التام.

ما اعرفه جيدا ان اجواء عدم الثقة تقابلها حالة عجز مرضية على كل المستويات، قد اصابت البلد بالشلل، وان علاج هذا الشلل يتطلب جهدا وادراكا، واكبر مما هو متحقق وانه من دون جهد منظم متجرد فإن اي مشروع قادم الى الحكومة، مهما كانت فائدته التنموية، سيتحول الى معركة سياسية لا تبقي ولا تذر تختلط فيها بيارق الميمنة مع بيارق الميسرة، ويتداخل فيها الصالح مع الطالح، ولا نعرف فيها الرأي الفني من الرأي الظني، ويضيع فيها الرأي الخبير مع الرأي الخبيث.

إننا بحاجة الى ثورة من التفكير وخيال ابداعي وخروج من الطريقة التقليدية، وإلا فالجمود والتراجع والاضمحلال بل والانقراض.