يؤكد العالمون بالمعلن من الأمور والمستور منها بشأن العلاقة بين دمشق وطهران «أن العلاقة الممتازة بينهما ستبقى كما هي دون تغيير لأن هناك مصالح استراتيجية تربط بينهما» كما أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رغم بعض الرياح «المشاغبة» أو «المناكفة» أو المعاكسة.

Ad

وما جولة الوزير منوشهر متكي الخليجية التي ابتدأها بالمملكة العربية السعودية إلا لغرض التأكيد على هذه الحقيقة، بالاضافة إلى حقائق أخرى أهمها أن طهران لن تتخلى عن دعم ومساندة القضايا العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية تحت كل الظروف.

لا بل إن ثمة من يؤكد من المتتبعين والمطلعين على ما حمله متكي للقادة الخليجيين، بأن المسؤول الإيراني حمل رسالة واضحة وشفافة للغاية إلى القادة الخليجيين مفادها أن طهران ستكون عاتبة عليكم إن لم تواكبوا التطورات العالمية المتسارعة التي بدأ يلتقطها بعض أشقائكم من القيادات الخليجية مثل قطر، وبعض إخوانكم المسلمين مثل تركيا، وهما الدولتان اللتان فتحتا نافذة واسعة لتفهم الإرادة الإيرانية في دعم القضايا العربية على طريقتها عبر التعاون والتفاهم والتنسيق المستمر مع سورية الممانعة، وإن مقولة الشرعية العربية التي يطالب البعض بها لتكون هي بوابة الدعم الإيراني،إنما هي مشكلة عربية-عربية لا دخل لإيران بها أو بالانقسام العربي الحاصل من حولها أو بشأن تعريفها أو تفسيرها، وبالتالي لا ينبغي أن تكون سببا يمنع العرب من توظيف الجهد الإيراني التضامني مع قضايا العرب.

الأمر المؤكد أيضا أن طهران وحسب إجماع المصادر المطلعة قد حملت من خلال جولة متكي إبلاغا واضحا وصريحا للقادة الخليجيين بأن أي مصالحة عربية-عربية ستعتبرها إيران خطوة متقدمة بالاتجاه الصحيح الذي لطالما تمنته وعملت من أجله، والمملكة السعودية ربما كانت الأكثر علما من غيرها بمثل هذه الرغبة الإيرانية الملحة، بل إنها تضع نفسها ودورها في خدمة ما هو أوسع وأكثر إلحاحا ألا وهو إعادة إحياء الفريضة الغائبة، ألا وهي التضامن العربي الإسلامي من أجل تكريس الانتصار الفلسطيني العسكري الأخير بانتصار سياسي حاسم وجازم على العدو المشترك ألا وهو الكيان الصهيوني.

ومن الآن حتى انعقاد قمة مؤتمر الدوحة العربي فإن ثمة من يراهن من الأعداء على بلبلة الشارعين العربي والإسلامي بأخبار وتقارير استخباراتية، مفادها أن العرب منقسمون على الدور الإيراني بخصوص الموقف من فلسطين، هذا في حين أن المطلوب دائما، وطبقا للرؤية الصانعة للقرار في إيران، هو الاستفادة القصوى من حالة التخبط والضعف والهوان التي يعيشها حكام تل أبيب سواء أولئك المنصرفة ولايتهم أو القادمون الجدد من اليمين الأكثر تطرفا، من أجل تحقيق المزيد من التقارب مع المحيط الإسلامي، وفي مقدمته تركيا وإيران اللتان أثبتت الأحداث والوقائع أنهما تختزنان من فائض القوة والدعم الهائل لقضايا العرب لو تم توظيفها مبكراً من جانب العرب، لما كان وضع «الشرعية العربية» المتنازع على تعريفها اليوم أو المختلف عليها بين العرب أنفسهم في حالة من «انعدام الوزن» كما هي عليه الآن باعتراف أصحاب الدعوى أنفسهم قبل المختلفين معهم على هذه المقولة.

وحدها النظرة الاستراتيجية والثاقبة النظر لدمشق العروبة والممانعة التي لطالما أنقذت العرب من حالة الانهيار أو التخبط، وسط عواصف التحالف الدولي المسكونة بالعداء لكل ما هو مقاوم وممانع في المنطقة، وهي التي أنقذت ما تبقى من ماء وجه للنظام العربي الرسمي.

من هنا فإنه ليس بالمصادفة كما هي ليست بالمنة من أحد أن تحصل مثل هذه «المصالحات» العربية كما الدولية الآن بالذات مع دمشق، فمثل هذه «المصالحات» أو كما سماها الرئيس الأسد مصيبا بعملية «تنظيم الخلافات» أو إدارتها، إنما يحصل بسبب وصول المراهنين على القطيعة مع سورية إلى طريق مسدود من جهة، وحلول زمن قطف ثمار الصبر الاستراتيجي لقوى المقاومة والممانعة، وفي مقدمتها المقاومتان اللبنانية والفلسطينية ومن ورائهما إيران وسورية من جهة أخرى.

وهنا تصبح مطالبة بعض الحالمين أو الغارقين في التيه دمشق بفك ارتباطها بإيران، ناهيك عن فك ارتباطها بالمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، أشبه بالراكض نحو السراب وهو يحسبه ماء.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني