Ad

ستكون بادرة طيبة إن تولى مجلس الأمة أو مؤسسات المجتمع المدني فتح نقاش جاد وحيوي حول مستقبل الكويت، يأخذ في الاعتبار إيجاد أجوبة مناسبة للكثير من القضايا الملحة والجوهرية. أما إن غرق أعضاء المجلس في المماحكات البرلمانية والصحفية السطحية والفارغة، فستضيع منا الفرصة التاريخية، وسيزداد بؤسنا وتخلفنا.

بتاريخ 5 مارس 2008 ومن وحي ندوة صحيفة «الجريدة» حول «مستقبل الكويت... أسئلة مشروعة وأجوبة مستحقة»، كتبت مقالاً بعنوان «مستقبل الكويت ... دعوة للحوار» حاولت أن أبدأ به نقاشاً عاماً حول رؤيتنا، كمواطنين، لمستقبل الكويت؟ وأصدقكم القول إن الردود لم تكن أبداً مشجعة. فباستثناء بعض الرسائل الإلكترونية المقتضبة، لم أر أي تفاعل إيجابي مع الموضوع، وهذا يجعلنا نتساءل ترى، ألا يستحق موضوع بحجم مستقبل الكويت أن نقف أمامه ونفتح حوله حواراً واسعاً في المنتديات وعلى صفحات الجرائد وفي الندوات والنقاشات العامة والدواوين؟

والآن بعد انتخابات مجلس الأمة الجديد ، التي أحبطت بعضهم وأسعدت آخرين، فانني أكرر الدعوة للحوار حول رؤيتنا كمواطنين وكقوى سياسية لمستقبل الكويت؟ أو بمعنى آخر إلى أين نريد أن تتجه الكويت؟

من الطبيعي أن يكون بيننا تباين في وجهات النظر حول المستقبل، ولكنني أعتقد أن الأمر الذي لن نختلف بشأنه هو أن هنالك انحرافاً واضحاً في مسارنا الوطني الذي أراد مؤسسو الدولة الكويتية الحديثة في عام 1962 أن تكون عليه الكويت في المستقبل، وهو انحراف لا يستطيع إلا المكابر أن ينكره.

فما هي الأسباب التي أدت لانحراف بناء الدولة الدستورية المدنية الحديثة التي رسم منهجها دستور 1962؟ ثم كيف نصحح هذا الانحراف ونجدد الحياة السياسية لقيام مجتمع مدني ديمقراطي يسمح بالتنوع والتعددية كما ينص الدستور؟ وما هو مستقبل الديمقراطية في الكويت وأي ديمقراطية نريد؟ هل هي الديمقراطية الملتزمة بالدستور والمحافظة على حقوق الأقلية وعلى الحريات العامة وحق الاختيار، أم هي ورقة اقتراع فقط قد تنتج دكتاتورية الأغلبية التي قد تقرر، بعد وصولها، تفريغ الدستور من محتواه تمهيداً للانقلاب عليه؟

ثم كيف ننظر إلى قضية المواطنة الدستورية والهوية والوطن الآن، وهي قيم تعرضت للتشويه في الفترة الأخيرة؟ وما هي السبل لتجاوز حالات التفتت الطائفي والقبلي والعائلي من أجل قيام مجتمع تعددي متماسك ومتكامل في إطار وطن واحد يتسع للجميع؟ كيف نستخدم الثروة المالية الهائلة التي تتوافر لنا الآن، لتحسين مستوى معيشتنا وضمان مستوى معيشة كريمة لأجيالنا القادمة؟ كيف ننوع مصادر الدخل لخلق بدائل مناسبة للنفط الآيل للنضوب إن عاجلاً أم آجلاً؟ ماهي خططنا المستقبلية لتعليم نوعي متطور ولرعاية صحية متميزة ولخدمات عامة عالية الجودة؟ ثم هل الوحدة الوطنية واقع معاش أم هي مجرد شعارات فارغة؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير تتطلب منا جميعاً وقفة جادة نحاول من خلالها إيجاد إجابات مقنعة إن كنا فعلاً ننتمي للشعوب الحية التي تشخص مشاكلها وتجد لها الحلول.

وستكون بادرة طيبة إن تولى مجلس الأمة أو مؤسسات المجتمع المدني فتح نقاش جاد وحيوي حول مستقبل الكويت، يأخذ في الاعتبار إيجاد أجوبة مناسبة للأسئلة آنفة الذكر. أما إن غرق أعضاء المجلس في المماحكات البرلمانية والصحفية السطحية والفارغة، وأخذت جل وقتهم القضايا التفصيلية الآنية ذات النفس الانتهازي، فستضيع منا الفرصة التاريخية، وسيزداد بؤسنا وتخلفنا.