في الأسبوع الماضي تناولت موضوع تعسف بعض النواب وكيفية مساهمتهم في الأزمة السياسية التي «عدت على خير»، لكن من الإنصاف أيضا التطرق إلى كيفية مساهمة الحكومة في تلك الأزمة. ومن دون مقدمات أقول إن حكومات سمو رئيس الوزراء كانت جميعها حكومات ضعيفة غير متجانسة ولم تُجد في التعامل مع التحديات التي واجهتها، خصوصاً من قبل مجلس الأمة.
كما أن محاولة سمو الرئيس كسب ود جميع الأطراف في المجلس أوقعه في فخ الابتزاز بحيث بات أسهل الطرق للحصول على المطالب هو رفع سيف الاستجواب. لكن السؤال الذي قسم الساحة السياسية هو: ما هي الطريقة المثلى للتعامل مع هكذا حكومات؟كنت أتمنى أن يكون الجواب سهلاً، لكن لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال ببساطة ومن خلال قراءة الأحداث التي تجري على السطح. ذلك لأن استمرار حالة التأزيم السياسي منذ ثلاث سنوات هو أكبر من موضوع حكومة ضعيفة ورئيس وزرائها أو قضية مصروفات أو تراجع عن مشاريع استراتيجية تحت وطأة الضغوط والتهديدات.فالتأزيم المستمر ما هو إلا نتاج صراعات خفية عدة سواء بين أبناء الأسرة الحاكمة، أو بين بعض التكتلات التجارية وما تملكها من وسائل إعلام، أو بين هذه التكتلات والحكومة. ومع أن سمو رئيس الوزراء لم يوفق بشكل عام في إدارة الأمور وفي اختياره لمن يعينه على أداء مهامه، فإن الحق يقال إن العقبات والتحديات التي واجهها الشيخ ناصر المحمد كانت عديدة ومعقدة.وهذا الوضع الجديد على الساحة انعكس على مجلس الأمة أيضا بحيث لم تعد تركيبة المجلس كما في السابق «أي موالاة ومعارضة» بل رأينا الحابل يختلط بالنابل، فنجد نواباً معارضين يتفقون مع الحكومة على مشروعات قوانين بينما نجد نواباً اشتهروا بالموالاة يقفون ضد الحكومة، وبعضهم ركب موجة التصعيد أيضاً.ولذلك فإن استخدام الأساليب التقليدية في مواجهة الحكومة قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل لحل المشاكل لأن أي تصعيد قد يستخدم من قبل بعض الأطراف المتصارعة لتسجيل نقاط على بقية الأطراف، وهذا ما رأيناه من خلال الأحداث الماضية حيث كاد التأزيم المستمر وتقديم ثلاثة استجوابات دفعة واحدة وضد مَن... رئيس الوزراء... أقول كادت كل هذه الأحداث أن تقودنا إلى المجهول بعد أن استغلتها بعض الأطراف في الأسرة لكي يقوم بالتحريض ضد الدستور. وحتى ما أشيع حول تعديل الدوائر بمرسوم ضرورة كان أيضاً أحد أوجه الصراع ما بين أبناء الأسرة أنفسهم، حيث اختلفوا حول هذا الموضوع نتيجة لمصالحهم لأن كل طرف لديه أشخاص محسوبون عليه يريد إيصالهم إلى المجلس. ولو كان قدرنا أن ندخل في المجهول أو أن تُعدَّل الدوائر بمرسوم ضرورة نتيجة لممارسات البعض، فهل كان هذا البعض سيتحمل مسؤوليته في المساهمة في هذا الوضع الجديد وتسهيل قرار اتخاذه؟! بل أسأل الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها على المصروفات وعلى «احتمال» خسارة الدولة لمليار ونصف نتيجة لقانون الاستقرار المالي «أو عفواً قانون الحيتان»، الذي سيمر بمرسوم ضرورة شاء من شاء وأبى مَن أبى، أسألهم: ألن تمر ميزانية الدولة القادمة بمرسوم ضرورة دون تدقيق أو مراجعة لجنة الميزانيات ويصادق عليها المجلس بـ«شربة ماي» مثلما مرت في العام الماضي بالطريقة نفسها وبـ«18 مليار دينار»؟! فأي المجالين أسهل لإهدار المال العام يا سادة؟! أكرر مرة أخرى بأني لست ضد استعمال الأدوات الدستورية، لكن اللجوء إليها بهذا الشكل المفرط دون النظر إلى المواءمة السياسية والظرف الاقتصادي الخانق إضافة إلى الصراعات الدائرة خلف الكواليس، كان حساباً سياسياً خاطئاً وكان بمنزلة صب الزيت على النار وانطبق عليه قول: «من أجل أن يبني قصراً... يهدم مصراً».
مقالات
من أجل أن يبني قصراً... يهدم مصراً
26-03-2009