بالإكراه والإجبار أو اختياراً وطوعاً، وبالتوافق والتفاهم وفي إطار الاتفاق الأمني الشهير مع العراقيين أو دون التشاور المعمق معهم، وفي إطار اتفاق «جنتلمان» كما يقولون مع إيران أو دون ذلك، فقد حان سفر الخروج الأميركي من العراق! في كل الأحوال فقد قرر أوباما ترك العراق والعبور الى أفغانستان، ظناً منه بأن السنوات الأميركية السبع العجاف ستنتهي عندئذ لتبدأ بعدها سنوات سبع سمان سيخطها هو بعد تصحيح الموقف الذي أخطأ تقديره سلفه جورج بوش الابن!

Ad

لكن باراك أوباما الديمقراطي نسي أو تناسى بأن اللعنة التي أصابت جيشه وشعبه طوال السنوات البوشية السبع العجاف، إنما حصلت ليس بسبب «سوء تقدير» رئيس جمهوري لساحة المعركة، وبعض الاحتيال والخديعة اللذين رافقا ذلك الموقف الشهير الخاص بمزاعم أسلحة الدمار الشامل فحسب، وعليه فإن بإمكان رئيس ديمقراطي لاسيما إذا ما كان أسود ويحمل شعار التغيير أن يصنع لبني قومه سبع سنوات سمان بمجرد أن يستدير من العراق باتجاه أفغانستان!

إن اللعنة يا أوباما تكمن في مكان آخر تماما.

في كتابه الشهير «حروب الإبادة الأميركية» ينقل الدكتور السوري منير العكش الذي قضى نحو 34 سنة يحقق في مخطوطات المكتبات الأميركية وفي مقدمتها الكونغرس، نصا من أرسوطفان «الزنابير» 422 ق م، وهو المرجع الروحي لتأسيس المستعمرات الأنجلو ساكسونية وتوسيعها في بلاد الهنود الحمر حتى صارت ما يعرف اليوم بالولايات المتحدة الأميركية، النص التالي: «السعوا أول من ترونه واستمدوا حياتكم من موته»! وقتها أي في نهايات القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر وعندما بدأت حملات من سموا أنفسهم بالحجاج من «الواسب» أي الأنجلو ساكسون البروتستانت البيض، إلى أرض كنعان الإنكليزية الجديدة، كما أطلقوا يومها على أرض الهنود الحمر الأميركية، كان تعداد شعوب تلك القارة الحمراء 112 مليون نسمة تكتنفهم نحو 400 حضارة وثقافة، لم يبق منهم حسب تعداد المستوطنين الجدد غاصبي الأرض والحقوق في العام 1900 سوى ربع مليون نسمة!

ثم ينقل منير العكش في كتابه «الشهادة» الذي استعجله على نشره الشاعر الراحل محمود درويش لتشابه التجربة الأميركية الاستيطانية مع التجربة الإسرائيلية فوق أرض فلسطين، تعميما للفائدة قبل فوات الأوان كما جاء في مقدمة الكاتب، ينقل عن لسان أوليفر هولمز في العام 1885 وهو من أشهر الأطباء الذين رافقوا حملات الإبادة المنظمة التي أسست للولايات المتحدة الأميركية الراهنة، وهو يقول: «إن إبادة الهنود هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض، وإن اصطيادهم كاصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان فعلا على صورة الله»!

ويضيف العكش: «مع تأسيس الجيش الأميركي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا رسميا. حصل هذا عند استعراض الجنود أمام وليام هاريسون بعد انتصار 1811 الشهير على الهنود وفي 27 مارس 1814 كما يروي ديفيد ستانارد احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره على هنود الكريك، وتولى جنوده التمثيل بجثث الضحايا من الأطفال والنساء والرجال، فقطعوا أنوفهم لإحصاء عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول»!

المعروف اليوم أن الأميركيين ومنذ تلك المذبحة الفظيعة التي ذهب ضحيتها أكثر من 800 إنسان على يد جنود الدولة الأميركية وقائد جيوشها جون شيفنغنتون، يحتفلون سنويا بهذا القائد الذي يعتبرونه من أعظم أبطال التاريخ الأميركي، وهناك الآن أكثر من موقع تاريخي، وأكثر من مدينة شيد فيها نصب تذكاري تخليداً لذكره ولشعاره الشهير: «اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم ولا تتركوا صغيرا ولا كبيرا. فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل». إنها في الواقع قائمة لا تنتهي من حروب الإبادة الشاملة، موثقة عبر تاريخ تشكل الولايات المتحدة الأميركية الراهنة، نستذكرها في هذه اللحظة التاريخية، ونضعها في تصرف المراقب والملاحظ والمتتبع لما جرى في العراق وأفغانستان خلال السنوات السبع العجاف، من ممارسات وحشية من سجن أبو غريب إلى ساحة النسور إلى مجازر الفلوجة والنجف الأشرف إلى اغتصاب عبير الجنابي وتقتيل عائلتها بشكل كامل، إلى عشرات الحوادث المتكررة العديدة على أيدي عصابات بلاك ووترز وغيرها من عصابات منظمات الأمن الخاصة للقتل المنظم الأميركي في العراق، ليكتشف هو بنفسه هل هي ممارسات فردية معزولة؟ أم تفاحة فاسدة واحدة كما كان يقول جورج سوروس؟ أم هي جزء من ثقافة حق التضحية بالآخر وقدرية التوسع اللانهائي والدور الخلاصي للعالم والتفوق العرقي والثقافي؟

على أوباما بدوره أيضا أن يجيب عن هذه الأسئلة قبل أن يستدير نحو أفغانستان ظناً منه أنه بمجرد الاستدارة من العراق إلى أفغانستان ستحصل معجزة السنوات السبع السمان، وعليه أن يتعمق في سفر التكوين الاحتلالي للعراق وقبله سفر التكوين الاستئصالي للولايات المتحدة الأميركية نفسها، في هذه اللحظة التاريخية التي يطالب فيها بالتغيير، قبل أن يبدأ رحلة عذاب ومعاناة جديدة للعالم انطلاقا من استدارته المعوجة نحو أفغانستان. وإذا لم يفعل أوباما ذلك فإن يوم الحساب الكبير لعهد بوش الابن ومعاقبة رجاله على ما ارتكبوه من مجازر في العراق، والأمر الذي لابد قادم إن عاجلا أو آجلا، لن يبرئه من هذه الشراكة، أيا كانت مبررات صمته ولن يشفع له لونه الأسود!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني