كيف ستُصرف ميزانية الـ37 مليار دينار التي تنوي الحكومة رصدها لمشروع "إطار الخطة" الذي تقدمت به إلى مجلس الأمة، وأقره في مداولته الأولى على اعتبار أنه هو الخطة الخمسية للدولة أو "الرباعية" بحسب سنوات "إطار الخطة"؟ ومن سيتولى قيادة وتنفيذ عملية التنمية خلال هذه المدة؟

Ad

لا جدال في أن الدولة هي التي من المفترض بها أن تقوم بقيادة عملية التنمية المستدامة وتوجيهها لأن ذلك من صلب مهامها الرئيسة التي تتضمن وضع الخطط، وقيادة عملية التنمية، وتفعيل الرقابة والمتابعة لعمليات تنفيذ الخطط التنموية، والمحافظة على الثروات الوطنية، وتحقيق احتياجات المجتمع، وتوفير العدالة والمساواة في توزيع الثروة الوطنية، وعدم استنزاف الثروات الطبيعية.

فالمادة (21) من الدستور تنص على أن "الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة، تقوم على حفظها وحسن استغلالها، بمراعاة مقتضيات أمن الدولة واقتصادها الوطني"، لكن هل القطاع الحكومي، الذي يعاني مشاكل بيروقراطية مستعصية ويحتاج إلى عملية إعادة هيكلة شاملة وجذرية، قادر فعلاً على إنجاز وقيادة عملية تنفيذ خطة تنموية طموحة جداً؟ وما هو الدور المرتقب للقطاع الخاص؟ وهل هو دور قيادي كما جاء في "خطة" الحكومة؟ ثم ما دور الحكومة بعد ذلك؟

ليس ذلك فحسب، بل دعونا أيضا نتساءل بصراحة: هل القطاع الخاص الضعيف الذي يعتاش على الإنفاق العام والتسهيلات الحكومية الكثيرة التي تقدم له قادر على أن يكون له دور قيادي في عملية التنمية المستدامة؟ وماذا عن موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي تبيّنه المادة (20) من الدستور "الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية، وقوامه التعاون العادل بين النشاط العام والخاص، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين...".  وبافتراض أن القطاع الخاص لدينا قادر على أن يكون له دور قيادي في عملية التنمية من دون "كرم" المساعدات والتسهيلات الحكومية، فهل لدينا من التشريعات والقوانين ما يكفي لمنع الاحتكار والوكالات الحصرية؟ هل لدينا قوانين كافية لضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين، وعدم التلاعب في الأسعار وحماية العمالة الوطنية، وتأكيد الدور الاجتماعي لرأس المال، وتطبيق نظام الضرائب على الأرباح الخيالية وحماية البيئة والعمل بقوانين الشفافية والنزاهة وتوفير المزيد من الفرص الوظيفية الجديدة؟

وأيضا بافتراض أن هذه القوانين والتشريعات موجودة، فمن سيتولى عملية تطبيقها؟ أليست الأجهزة الحكومية هي التي ستقوم بذلك؟ فهل هي قادرة فعلاً في ظل وضعها الحالي على القيام بهذا الدور؟

أسئلة كثيرة تتطلب أن نتمهل قليلاً ونفكر سوياً في أين سيذهب مبلغ الـ37 مليار دينار لاسيما في ظل الوضع الحالي المتردي للقطاعين العام والخاص؟... نعم نحتاج إلى البدء بتطبيق خطط تنموية طويلة المدى، ولكن من الضروري أن تكون خططنا واقعية تراعي احتياجات المجتمع وطبيعة ظروفه الاقتصادية والاجتماعية وإمكاناته المتوافرة حالياً حتى يمكن تطبيق هذه الخطط على أرض الواقع بما يضمن عدم استنزاف المال العام على مشاريع خيالية لن يستفيد منها إلا الباحثون عن تراكم الثروات الخاصة.