إن التحديات التي تواجه منظمات المجتمع المدني في روسيا أعظم من مثيلاتها في العديد من مناطق العالم، ولكن التحديات التي تواجه المجتمع المدني تتشابه في كل مكان. وهناك فجوة في أنحاء العالم المختلفة بين منظمات المجتمع المدني والمجتمعات التي تتولى هذه المنظمات خدمتها.

Ad

إن منظمات المجتمع المدني لا تكتسب السلطة من خلال الانتخابات (سواء كانت شرعية أو غير شرعية)، ولكن عن طريق التواصل مع العالم الأعرض اتساعاً. باختصار، يتلخص هدف هذه المنظمات في بناء المجتمع المدني ذاته.

وتسجل هذه المنظمات القدر الأعظم من النجاح حين يتصرف الناس باعتبارهم جزءاً من المجتمع المدني من دون أن يكونوا من محترفي العمل في مجال خدمة المجتمع المدني بالضرورة. وهذا يعني أنهم سيهتمون بأمور مثل رعاية صحتهم، أو المشاركة في المناقشات العامة، أو إنشاء المدونات على شبكة الإنترنت عن ظروف السلامة في مجتمعاتهم، أو تقييم أداء المدارس، أو رعاية الغابات والأنهار المحلية، باعتبار أن كل هذه الأنشطة جزءٌ من حياتهم وليست جزءاً من وظيفة يتكسبون بها معايشهم.

في هذه الأيام تشكل الصحافة ووسائل الإعلام الجديدة أحد مجالات اهتمام المجتمع المدني. وفي العديد من الأماكن اليوم يتدفق قدر من المعلومات أعظم من أي وقت مضى، ولكن وسائل الإعلام تخضع لضغوط سياسية ومالية.

إن أغلب الناس ينظرون إلى الصحافة الحرة باعتبارها وسيلة لتتبع أداء الحكومات- وهو تصور سليم. ولهذا السبب فإن الصحافة ككل والصحافيين بصورة خاصة كثيراً ما يستهدفون من قِـبَل السلطات. وحين لا تكون المنافذ الإعلامية مملوكة- أو مروَّضة- من جانب السلطات أو المقربين من السلطات، فإنها تظل عُرضة للمراقبة، والترهيب، والمراجعة الضريبية، وفي بعض الأحيان يقع الصحافيون ورؤساء التحرير ضحية للاغتيالات.

وفي روسيا بصورة خاصة سنجد أن الموقف مختلط إلى حد كبير. فالحكومة تمتلك أغلب وسائل الإعلام الجماهيرية وتسيطر عليها- الصحف الرئيسية ومحطات التلفاز- ولكن هناك وفرة من المطبوعات والمحطات الإذاعية المهمشة في أغلب الأحوال (ناهيك عن المدونات والمواقع على شبكة الإنترنت) والتي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال. وهي لا تخضع لرقابة مباشرة، ولكنها تزاول عملها وهي تدرك أن السلطات قد تغلقها بناءً على اتهامات غامضة في أي وقت. وبطبيعة الحال فإن أغلب هذه المنافذ الإعلامية تناضل من أجل البقاء على المستوى المالي.

بيد أن الصحافة لا يقتصر عملها على مراقبة أداء الحكومة. فمن بين المهام الأخرى التي تتولاها الصحافة عكس صورة المجتمع لأفراده- لنشر صورة دقيقة لموقفه الحالي، وتقاسم المعلومات بشأن الأنشطة التي يقوم بها المواطنون كأفراد وشركات الأعمال في إطار جهود بناء المجتمع المدني، ولتشجيع المواطنين على الاضطلاع بدور نشط في تحسين حياتهم وتنمية مجتمعاتهم.

ولنتأمل هنا مسألة الرعاية الصحية. إن الهدف النهائي هنا في اعتقادي لا ينبغي أن ينحصر في تحسين نظام الرعاية الصحية، بل لابد أن يمتد إلى جعل المواطنين أصحاء إلى الحد الذي لا يحتاجون معه إلى الرعاية الصحية. إن المشاكل الصحية قد تدفعك إلى الذهاب إلى إحدى العيادات الطبية، ولكن القسم الأعظم من هذه المشاكل ينشأ من الكيفية التي تتصرف بها في بيتك- كيف تأكل وتشرب، هل تدخن أو تمارس الرياضة وهل تنال القسط الكافي من النوم، إلى آخر ذلك.

هذا هو النوع من التفكير الذي كان يقود عملنا في إطار مجموعة عمل مختصة بالرعاية الصحية تأسست حديثاً كجزء من قمة المجتمع المدني الأخيرة التي نُـظِمَت في موسكو بواسطة مؤسسة «أوراسيا»، ومؤسسة «أوراسيا الجديدة»، و»مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية». (شاركت في هذه المجموعة بصفتي عضواً في مجلس إدارة مؤسسة «أوراسيا»).

ولمعالجة هذه المشاكل ابتكرنا «مشروع البيانات المفتوحة وسيولة المعلومات»، وهو المشروع الذي سيعمل على دعم وتنظيم تبادل المطبوعات وجمعها وتحليل البيانات الصحية- ليس الإحصاءات العامة فحسب، بل والبيانات النوعية المحددة بشأن النواتج الصحية المتصلة بالعقاقير والعلاجات، وأداء المستشفيات، وما إلى ذلك أيضاً.

وبطبيعة الحال فإن الكثير من هذه الإحصاءات لم يُـجمع بعد، ناهيك عن نشره. غير أننا نستطيع أن نبدأ بالمتاح، وبالتالي نعمل على خلق الطلب على بقية هذه الإحصاءات. وفي الولايات المتحدة بدأ الناس بالفعل في تصنيف وتقييم أطبائهم في مواقع على شبكة الإنترنت، مثل RateMDs.com، و vitals.com؛ وهذا متاح أيضاً على موقع HealthGrades.com.

إن منظمات المجتمع المدني لا تدير المستشفيات بشكل مباشر عادة، ولكنها قادرة على جعل أداء هذه المستشفيات أكثر شفافية. لذا فإن الخطط جارية الآن لتنمية وتوزيع الأدوات اللازمة لتحليل المعلومات، واكتشاف علاقات الارتباط (استكشاف البيانات)، وعرض النتائج في هيئة رسوم بيانية وجداول.

ولكن مرة أخرى، يتعين علينا أن ندرك أن الصحة تبدأ من المنزل، لذا فإن النصر الحقيقي-وهو النصر الذي قد يؤثر عليه مثل هذا التعاون في إطار المجتمع المدني بشكل أكثر مباشرة- يتلخص في إعطاء الناس معلومات أفضل عن أنفسهم وماذا يتعين عليهم أن يفعلوا لحماية صحتهم.

هذا يشمل كل شيء، بداية من المعلومات الخاصة بالتغذية ورعاية الطفل، إلى الاحتفاظ (في النهاية) بسجلات صحية لكل فرد، ويبدأ ذلك باستخدام وسائل إعلامية حديثة للوصول إلى الناس حيث يعيشون، وتسليمهم المحتوى الذي يخصهم. في الاتحاد السوفييتي كان هذا يسمى عادة «الدعاية الصحية»، ولكنه كثيراً ما كان موضعاً للتجاهل. حتى أن أحد أصدقائي الروس قال لي: «كلما قرأنا مقالاً عن المخاطر الصحية المترتبة على استخدام الزبد على سبيل المثال فكنا نسارع إلى شراء أكبر قدر ممكن من الزبد، وذلك لأننا كنا ندرك أن هذا يعني أن الزبد سيختفي من الأسواق».

اليوم، يسمى هذا النوع من المعلومات «تعزيز نمط حياة صحي». ونحن نعمل أيضاً على تنفيذ مشروع بالتوازي مع هذه الخطوط، فنسعى إلى الوصول إلى التجمعات السكانية المستهدفة بوسيلتين مختلفتين من الوسائل الإعلامية الحديثة مثل الإنترنت والهاتف المحمول، بدلاً من إلقاء الخطب في الصحف والتلفاز. ولنتخيل معاً برنامجاً تستطيع أن تشارك فيه امرأة حبلى عن طريق الهاتف المحمول من أجل الحصول على رسائل تذكير وتحديثات أسبوعية، والإجابة على أسئلة مثل «هل تشعرين بحركة الطفل داخل رحمك؟». وإن لم تكن تشعر به فمن الممكن تحويلها إلى عيادة محلية.

عندما طرحت هذه النقاط في الجلسة الختامية لقمة المجتمع المدني ككل، قاطعني رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما، الذين كان في موسكو لعقد اجتماع قمة مع الرئيس ديمتري مدفيديف، ولكنه استقطع من وقته للاستماع إلى تجمعنا المؤلف من منظمات المجتمع المدني. ولقد اعتذر أوباما عن الوصول متأخراً ثم أضاف: «لهذا السبب لدينا منظمات المجتمع المدني. فليس لشخص عاقل أن يعتمد كل الاعتماد على الساسة!».

* إستير دايسون ، رئيسة شركة EDventure القابضة، وهي مستثمرة نشيطة في مجموعة متنوعة من المشاريع الناشئة في أنحاء العالم المختلفة. ومن بين اهتماماتها تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية والطيران الخاص والسفر إلى الفضاء.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»