شهدت الكويت خلال شهر ثلاثة أحداث كارثية مؤسفة: تفاقم انتشار إنفلونزا الخنازير، وحريق الجهراء، وتوقف محطات الصرف الصحي. وسقطت مع هذه الأحداث آخر ورقات التوت عن جسد الإدارة العامة المترهلة في البلاد.

Ad

ولسنا هنا بصدد تحديد المسؤولية السياسية عن هذه الكوارث، لأننا نعتقد بعمق أن هذه المسؤولية لا تقع على الوزراء الحاليين، ولا تقع حتى على أسلافهم إلى سنوات طويلة مضت، فالأحداث الكارثية الثلاثة، مثلها مثل أحداث عديدة مماثلة في سياقها وتبعاتها ليست سياسياً نتيجة خطأ وزير معين أو حكومة محددة، بل هي نتاج سياسات عقيمة مستمرة ورشوات سياسية متتالية، وأخطاء أولوية متراكمة على مدى عقود أربعة أو تزيد شاركنا جميعا في إثمها، كل حسب موقعه في سلم المسؤولية، سواء بالتواطؤ أو بالتباطؤ، وسواء بالإغفال أو التجاهل.

المشكلة ليست في الحكومة أو وزرائها، والمشكلة ليست في مجلس الأمة أو أعضائه، والمشكلة ليست في كبار الموظفين أو صغارهم، وليست في مؤسسات المجتمع المدني ما نشط منها وما خمد، رغم أن كل هذه الأطراف قد ساهمت فيها. المشكلة في الإدارة العامة على كل مستوياتها.

ولأن المشكلة على هذا الصعيد الشامل فإن تداعياتها موجودة في كل وزارة ومرفق ونشاط، منها ما تعرض لامتحان الأزمات فانكشف، ومنها مازال ينتظر أن تتصدر كارثته أخبار الصحف وصور التلفزيون. والاتهامات التي توجه بحق وبغير حق هذه الأيام إلى وزارات الداخلية والأشغال والصحة والتربية والإعلام، والاتهامات التي وجهت قبل ذلك إلى وزارات المالية والتجارة والنفط والإسكان والكهرباء ستمس كل مرفق أو مؤسسة أو هيئة عند أول أزمة تدق بابها وتسقط الخمار عن ترهلها واهترائها.

لقد اتسعت الخرق على الراتق فلم يعد لعمليات التجميل جدوى، ولم يعد للإصلاحات الجزئية أن تحدث تغييراً، ووصلنا إلى مرحلة آخر الدواء... مرحلة الإصلاح الجذري الذي يبدأ باحترام القانون، ووقف سياسات المجاملة والمسايرة، وتقبيل الرؤوس والأكتاف واللحى، وعفا الله عما مضى، وترسيخ دولة القوانين والمؤسسات التي تكافئ المحسن وتعاقب المسيء. الدولة التي تفصل بين السلطات الثلاث فلا تتضخم إحداها على حساب الأخرى، ولا تضعف إحداها فتفقد هيبتها. الدولة التي لا تقف ديمقراطيتها عند حدود حرية القول، بل تتجاوز ذلك إلى مسؤولية القول ومراقبة العمل والمحاسبة حسب النتائج.