قوبلت تصريحات مندوب العراق الدائم لدى الجامعة العربية المشككة في قرار مجلس الأمن بترسيم الحدود الكويتية-العراقية بالاحتجاج الرسمي من الخارجية الكويتية، والرفض من مجلس التعاون الخليجي...  وتستمر الامور على شاكلة البدايات، وتبقى الحدود الكويتية - العراقية شعلة الشرر المتطاير كلما أراد العراق التملص من الالتزام بقرارات مجلس الامن الدولي، وخصوصاً القرارين 806 و833 لعام 1993 بشأن ترسيم الحدود بين الطرفين، وبشكل نهائي وملزم لكليهما.

Ad

 أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية أن «الحدود الكويتية- العراقية محسومة بقرارات دولية لا يمكن التشكيك فيها»، على خلفية ما تناولته وسائل إعلام من تصريحات مندوب العراق الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير قيس العزاوي المشككة في قرارات مجلس الأمن بترسيم الحدود بين العراق والكويت.

وأوضح العطية لـ»الجريدة» أن «اثارة مشكلة الحدود بين الجارتين الشقيقتين أمر مرفوض ولا يخدم مصلحة البلدين واستقرار المنطقة»، مبينا أن «الحدود بين الكويت والعراق من أكثر الحدود المعترف بها كونها جاءت باعتراف وتخطيط دولي».

وأشار إلى أن تأكيدات مسؤولي الجانبين الكويتي والعراقي تدل على الحرص والاهتمام المشترك لإنهاء كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقات، واللجان المشتركة بين الجانبين تسعى لحلحلة جميع المسائل العالقة، وتدفع باتجاه تقوية مجالات التعاون.

وكانت وزارة الخارجية سلمت سفير الجمهورية العراقية محمد بحر العلوم مذكرة احتجاج رسمية على تصريحات مندوب العراق الدائم لدى جامعة الدول العربية السفير قيس العزاوي في شأن ترسيم الحدود بين العراق والكويت.

وأكدت في مذكرتها استنكارها الشديد لمثل تلك التصريحات، مشيرة إلى أن «دعوة العزاوي الى ترسيم الحدود بين البلدين يتناقض وقرارات مجلس الامن ومقررات الشرعية الدولية ذات الصلة»، مشددة في الوقت ذاته على أن موضوع الحدود حسم نهائيا من خلال الشرعية الدولية ومن خلال حكومتي البلدين، وطالبت بتوضيح رسمي لتلك التصريحات.

وفي الشأن ذاته، أكد مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة السفير منصور العتيبي أن إعادة التفاوض بخصوص ترسيم الحدود الكويتية- العراقية التي ثبتها القرار 833 أمر «غير مطروح كما أنه غير مقبول».

وأوضح العتيبي أن التشكيك في شرعية و قانونية القرار 833 أمر مرفوض ولا يخدم مصلحة البلدين، مذكرا بأنه حتى النظام السابق في العراق اعترف بالقرار الذي رسم الحدود البرية والبحرية بين الكويت والعراق بشكل نهائي وأن الحكومات العراقية المتعاقبة بعد سقوط النظام تعترف بجميع قرارات مجلس الأمن وتلتزم بتنفيذها، «وهذا ما يؤكده كبار المسؤولين في الحكومة العراقية سواء في الأمم المتحدة أو للمجتمع الدولي بشكل عام».

وبيّن أن ما «نحن بصدده الآن مع الإخوة في العراق هو تسهيل عمل الأمم المتحدة لصيانة العلامات الحدودية فقط وليس لإعادة ترسيمها أو اعادة التفاوض بشأن ما تم تأكيده»، واصفا تصريحات العزاوي اذا ثبتت صحتها بأنها «بلا شك أمر مؤسف ومحير في الوقت نفسه لأنها تتناقض تماما مع ما يؤكده المسؤولون العراقيون للأمم المتحدة ولأعضاء مجلس الأمن وللكويت».

وفي ما يخص اتخاذ خطوات جادة لبناء الثقة بين العراق والكويت أكد العتيبي أن ذلك يبدأ من الالتزام بقرارات مجلس الأمن وتنفيذها، مضيفا أن ما ذكر عن عدم صلاحية مجلس الأمن لترسيم الحدود مبررات استخدمها النظام العراقي السابق، وأضاف «لمجلس الأمن مطلق الصلاحية في طلب ترسيم الحدود اذا رأى أن من شأن ذلك الترسيم أن يصون السلم والأمن الدوليين اللذين هما من صميم مهامه كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة».

أما بالنسبة للمبالغ التي ذكرها العزاوي بخصوص التعويضات التي دفعها العراق للكويت فأكد العتيبي أنها «أرقام غير دقيقة» فالمبلغ المتبقي على العراق حاليا هو 22 مليار دولار وليس 52، واضاف أن هذا الأمر محسوم أيضا بقرارات من مجلس الأمن وأنه على الرغم من أن الكويت تم احتلالها ونهب وتدمير ممتلكاتها العامة والخاصة لم تتسلم سوى أقل من 40 في المئة من مطالباتها التي أقرتها الأمم المتحدة في حين تسلمت أكثر من 90 دولة مطالباتها بالكامل.

وعن الأسرى الكويتيين والممتلكات الكويتية شدد على ضرورة حلها تحت مظلة الأمم المتحدة، معتبرا أن ذلك «لا يمنع اطلاقا تطور العلاقات الثنائية بين البلدين وازدهارها».

وعلق السفير العتيبي على تصريح العزاوي الذي قال فيه «إن الخروج من طائلة الفصل السابع رغبة عراقية صميمة ولدت منذ عام 2003 وما زالت الحكومات المتعاقبة تعمل بكل ثقلها دوليا وعربيا لتحقيقها»، بالقول «إن الكويت وأعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين لا يعارضون خروج العراق من الفصل السابع ولكن هذا أمر بيد الحكومة العراقية ومرتبط بتنفيذها للالتزامات المتبقية التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن»، لافتا الى ان «الكويت على أتم الاستعداد لمساعدة العراق على تنفيذ ما تبقى من التزاماته من أجل الخروج من طائلة هذا الفصل».

يذكر أن جريدة «حديث المدينة» الإلكترونية كانت أوردت تصريحات نسبتها الى مندوب العراق الدائم لدى الجامعة العربية قيس العزاوي بشأن الحدود بين الكويت والعراق والمطالبة بإعادة الترسيم وان بغداد لا تعترف بها لأنها ليست من صلاحيات مجلس الأمن، وقالت انها كانت للعزاوي أمام عدد من الخبراء القانونيين من العراقيين والعرب.

البدايات... منذ قرن وعقْد

لعبت الجغرافيا السياسية دوراً مهماً في طبيعية العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين دولة الكويت والعراق بحكم الجوار بينهما. قامت بريطانيا بتوقيع اتفاقية الحماية البريطانية 1899 المشهورة والتي تعهد فيها الشيخ مبارك بعدم التنازل عن أراضيه أو بيعها أو تأجيرها لدولة أو مواطن أجنبي دون موافقة بريطانيا وفي المقابل حماية أملاكه هو وحلفاؤه.

وبعد وصول أنباء الاتفاقية إلى الدولة العثمانية وتهديد العثمانيين للشيخ مبارك عام 1901 طالبين منه الذهاب إلى اسطنبول أو طرده بالقوة، رفض الشيخ مبارك هذا التهديد، فقام العثمانيون بوضع حاميات لهم في بوبيان وأم قصر وسفوان للضغط على الشيخ الذي احتج عند البريطانيين ولكن مبدأ الإبقاء على الأوضاع الراهنة جعل موضوع الحاميات يستمر حتى اتفاقية لندن عام 1913.

وكانت اتفاقية 1913 والتي سميت باتفاقية لندن بين بريطانيا والدولة العثمانية لترسم شكل الحدود بين الكويت والعراق... فكانت أول تحديد دولي للحدود بينها إلا أنها لم توضع موضع التنفيذ بسبب قيام الحرب العالمية الأولى.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية قامت بريطانيا عام 1915 باحتلال العراق وفي عام 1922 عقد مؤتمر العقير وضم السعودية والكويت والعراق، وعقدت اتفاقية عرفت باسم اتفاقية العقير عام 1922 ولعل أهم ما يميز هذه الاتفاقية هو:

أنه وبعد الانتداب البريطاني للعراق فإن أول ما يمكن رصده أنه لأول مرة  في تاريخ العلاقات الكويتية – العراقية توجد حدود، والسبب بسيط هو أنه لم يكن هناك قبل ذلك كيان سياسي باسم العراق، والذي كان قائماً منذ عام 1913 هو حدود بين الكويت وبين ولاية البصرة العثمانية.

... وأيضاً ملكية وجمهورية

يرجع المؤرخ الكويتي د.عبدالملك التميمي بداية العلاقات السياسية الرسمية بين الكويت والعراق إلى عام 1932 عندما تمت المراسلات بينهما حول القضايا المشتركة وخاصة الحدودية.

وبعد تتويج الملك غازي نجل الملك فيصل الأول في عام 1933 ملكاً على العراق، وكان عمره 21 سنة، بدأت معه الدعوة إلى ضم الكويت تحت التأثيرات الألمانية الخاصة بضم هتلر للنمسا ومحاولة الملك الشاب تقليد الدعاية الألمانية، فقام بواسطة محطته الإذاعية – التي كانت تبث من قصر الزهور –  بالمطالبة بضم الكويت، وواكب هذه الدعاية انتقادات حادة لشيخ الكويت في حملة صحافية تزامنت مع أحداث عام 1938 في الكويت حيث حل فيها شيخ الكويت أحمد الجابر المجلس النيابي بعد تأسيسه بستة أشهر. ومع وفاة الملك غازي عام 1939 في حادث غامض توقفت المطالبة العراقية مؤقتاً.

وبعد قيام ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 التي نصب فيها عبدالكريم قاسم نفسه حاكماً على العراق بادر الشيخ عبدالله السالم بزيارة العراق في 25 يوليو 1958 واستقلبه قاسم إلا أنه لم يصدر بياناً مشتركاً عن تلك الزيارة.

وفي 29 أكتوبر 1960 بعث الشيخ عبدالله السالم برسالة إلى رئيس العراق عبدالكريم قاسم دعاه فيها إلى مناقشة موضوع الحدود وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على ترسيم الحدود وطبقاً لمراسلات 1932، إلا أن العراق لم يرد على هذه الرسالة. ورغم ردود الفعل الرافضة للدعاوى العراقية بضم الكويت بعد اعلان استقلالها، فإن العراق استمر في دعواه، مطالباً بضم الكويت حتى سقوط نظام عبدالكريم قاسم في 8 فبراير عام 1963 وبذلك انتهى التهديد العراقي الثاني بعد تهديد الملك غازي من قبل.

في أعقاب الإطاحة بنظام عبدالكريم قاسم، واستلام عبدالسلام عارف السلطة بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين تميزت بالتحسن، وقام وفد كويتي بزيارة بغداد برئاسة الشيخ صباح السالم الصباح رئيس الوزراء الكويتي وانتهت الزيارة بتوقيع اتفاق مشترك بين البلدين في 4 اكتوبر 1963، وقامت الكويت بالتصديق على هذا الاتفاق وإيداعه الأمم المتحدة في 4 يناير 1964 ومن ثم في جامعة الدول العربية. وإذا كان اتفاق 1963 قد تضمن اعتراف العراق باستقلال دولة الكويت وسيادتها فإنه لم يضع حلاً لمشكلات الحدود بين البلدين، حيث جرت عدة مباحثات بين البلدين، خلال عامي 1964 و1965 وذلك بهدف ترسيم الحدود على الطبيعة إلا أنها لم تسفر عن نتائج ايجابية ملموسة.

«البعث»... استباح اللامباح

بعد سيطرة حزب البعث على السلطة في العراق 1968 كان التوجه الغالب للنظام العراقي إزاء الكويت هو التعايش مع الأمر الواقع، ولكن دون ترسيم الحدود بين البلدين، واستمر الوضع كذلك حتى ظهور أول أزمة في ديسمبر 1972 عندما بدأ العراق بشق طريق داخل الأراضي الكويتية نحو جنوب أم قصر بحجة حماية ميناء أم قصر من هجوم إيراني محتمل. وكانت الأزمة الثانية وهي الأعنف حين هاجمت قوات عسكرية عراقية في مارس 1973 مركز الصامتة الكويتي الحدودي وقتلت قائد الشرطة ومساعده وجرحت عدة أفراد من الشرطة الكويتية، وفي 28 إبريل 1973 سحب العراق قواته من مركز الصامته إثر تنديد عربي شامل وتحرك عربي ودولي لمساندة الكويت واحتواء الأزمة، وأغلقت الحدود بعد الحادثة فمنعت الكويت رعاياها من التنقل إلى العراق إلى أن أعيد فتح المعبر الحدودي في عام 1977.

وبعد توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران طلب العراق من الكويت تأجير جزيرة بوبيان لمدة 99 سنة والتنازل له عن جزيرة وربة مقابل اعترافه بالحدود البرية بين البلدين، فرفضت الكويت هذا الطلب، وبقيت قضية الحدود بين البلدين معلقة بعد ذلك خاصة بعد اشتعال الحرب العراقية الإيرانية في 21 ديسمبر 1980 إذ تجمد ملف الحدود الكويتية- العراقية.

بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 كانت الكويت تأمل وتتطلع إلى وضع تسوية نهائية لمشكلة الحدود مع العراق خاصة في ضوء الوعود الإيجابية التي طرحها المسؤولون العراقيون بخصوص هذه المشكلة خلال سنوات الحرب، وكان رد الفعل العراقي على هذه الرغبة الكويتية هو تصعيد المشكلة مرة أخرى ابتداء من عام 1990 وذلك في إطار حملة عراقية أكبر استهدفت دولتي الكويتي والإمارات وحتى وقوع جريمة الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت في 2 أغسطس 1990.

القرار 833 لعام 1993 ملزم ونهائي

حسمت الأمم المتحدة بصورة نهائية مسألة ترسيم الحدود الكويتية - العراقية، ولا يحق لأي كان ان يشكك في عدالة وقانونية ترسيم الحدود الدولية بين العراق والكويت، كما خططتها لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت وفقا للفقرة 5 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993.

ونظرا للعلاقة الوثيقة بين ترسيم الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق وبين استقرار السلم والأمن الاقليميين والدوليين، ينص قراران من قرارات مجلس الأمن ذات العلاقة رقما 806، 833، لعام 1993، على ضمان دول المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن الدولي حرمة الحدود الدولية بين دولة الكويت والجمهورية العراقية، واجازت الفقرتان 1، 6 من القرارين السابقين، حسب الاقتضاء، اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحقيق تلك الغاية وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وتؤكد هذه القرارات بوضوح المبادئ الدولية التالية:

1- قرارات مجلس الامن الدولي بترسيم الحدود الدولية وفقا لقواعد القانون الدولي العام قرار كاشف وليس مُنشئا للحدود الدولية بين الكويت والعراق، كما جاء في "المحضر" لعام 1963.

2- ان تسجيل ونشر "المحضر" المتفق عليه بين الكويت والعراق بشأن استعادة العلاقات الودية والاعتراف والامور ذات العلاقة لعام 1963، لدى الامم المتحدة أضفيا على "المحضر" صفة الاتفاقية الدولية وفقا للفقرة (أ) من الفقرة الثانية من المادة 62 من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969.

3- لا يجوز للدول الاطراف في اتفاقية دولية التحلل من الالتزامات التي ترتبها معاهدات الحدود، او الاحتجاج بالتغيير الجوهري في الظروف كأساس لانقضاء المعاهدة او الانسحاب منها اذا كانت المعاهدة تنشئ حدوداً.