وجهة نظر : سيارات الدفع الهجين قادمة... فماذا نحن فاعلون؟
يمثل الطلب على الوقود البترولي في قطاع النقل والمواصلات (البنزين والديزل ووقود الطائرات وزيت البانكرز) على مستوى العالم أكثر من 60 في المئة من إجمالي الطلب على النفط، وبدوره يشكل النقل البري المصدر الأكثر أهمية في هذا الطلب، ومن ثم فإن الطلب على البنزين والديزل وحدهما هو الأهم من حيث الحجم والتأثير في الطلب على النفط الخام، وخلافا لما هو عليه الحال بالنسبة إلى الاستخدامات الأخرى للمنتجات النفطية مثل التدفئة والوقود المنزلي وتوليد الطاقة الكهربائية، حيث يتوافر عدد من البدائل الاقتصادية، لا يوجد ثمة بديل اقتصادي مناسب حتى الآن لأنواع الوقود البترولي المستخدم في قطاع النقل والمواصلات.
وتمثل الولايات المتحدة بسبب ما تحظى به من متوسط مرتفع للدخل، وما تتمتع به من شبكة مواصلات برية وجوية هي الأطول والأكثر تشعبا وتطورا على مستوى العالم، وما تتميز به من ارتفاع قياسي في عدد السيارات نسبة إلى عدد السكان، المصدر الأهم للطلب على الوقود البترولي، وخصوصا البنزين، وتمثل الإجراءات التي أطلقها الرئيس الأميركي أوباما في 26 يناير 2009 بتشديد المواصفات القياسية الخاصة بالاقتصاد في استهلاك الوقود في السيارات التي تصنع بحلول شهر مارس من عام 2011، تحولا هاما من شأنه التأثير تأثيرا جوهريا على حجم الطلب العالمي على الوقود البترولي ومن ثم على النفط الخام، وقد وصف الرئيس أوباما ذلك الإجراء بأنه «عربون للجهود المتواصلة الرامية إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي».وكان الكونغرس الأميركي قد أصدر في عهد الرئيس السابق قانونا يقضي برفع معدل المواصفات القياسية الخاصة بالاقتصاد في استهلاك الوقود إلى 35 ميلا للغالون الواحد، وينطبق ذلك على كل سيارات الركاب التي تنتجها شركات صناعة السيارات العاملة في الولايات المتحدة، لكن إدارة الرئيس بوش «الابن» لم تبد تحمسا لتطبيق ذلك القانون.وإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بإنتاج سيارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود، بادرت حكومة الولايات المتحدة وحكومات عدد من الدول الصناعية الأخرى بإصدار تشريعات تهدف إلى حفز وتشجيع المستهلكين على شراء السيارات التي تتميز بالكفاءة في حرق الوقود من خلال الحوافز الضريبية أو إعادة نسبة من قيمة فاتورة شراء السيارة إلى المستهلك وغير ذلك من الإجراءات. وقد سارعت شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الرائدة في هذه الصناعة إلى إعادة هيكلة إنتاجها من المركبات، وكشفت تويوتا اليابانية أخيرا عن أكثر السيارات اقتصادية في استهلاك الوقود وهي الجيل الثالث من سيارة الدفع الهجين «بريوس» لعام 2010 التي تعمل بمحركين أحدهما بنزيني والآخر كهربائي، ووفقا لأنظمة الاختبار الجديدة والأكثر صرامة لوكالة حماية البيئة الأميركية تستهلك هذه السيارة نحو 4.6 لترات من الوقود لكل 100 كيلومتر (أي 51 ميلا لكل غالون أميركي).من جانب آخر، فرض عدد من البلدان الصناعية قيودا ضريبية إضافية على شراء السيارات الفارهة أو سيارات السباق أو السيارات الرياضية التي تصنف على أنها الأقل كفاءة في مجال استهلاك الوقود مثل سيارة لومبرغيني مرشلاغو (8 أميال لكل غالون في المدينة و13 ميلا على الطرقات السريعة) أو فيراري Scaglietti (9 أميال داخل المدن و15 على الطرقات السريعة).إن التشريعات المتحيزة للسيارات الاقتصادية أو المضادة لغيرها تشكل دعما ضروريا من وجهة نظر مصنعي السيارات الاقتصادية للتوجهات الرامية إلى خفض استهلاك الوقود خصوصا في ظل الانخفاض الذي شهدته أسعار الوقود مقارنة بما كانت عليه في النصف الأول من عام 2008، وهو أمر قد يقلل من رغبة المستهلكين في اقتناء هذا النوع من السيارات، كما أن من شأن التوجه العالمي نحو إنتاج المزيد من السيارات الاقتصادية أن يزيد من حدة المنافسة بين مصنعي هذا النوع من السيارات، مما يقتضي توسع أسواقها. وفي سياق المنافسة مع «بريوس» أطلقت هوندا على سبيل المثال سيارتها الاقتصادية الجديدة «إنسايت» لتباع بسعر يقل بنحو 10 في المئة عن سعر الأولى.إن هذه التطورات فضلا عن عمليات تطوير وانتشار سيارات بديلة لسيارة البنزين، مثل سيارة الغاز الطبيعي وسيارة محرك الايثانول والسيارة الكهربائية أو الشمسية، تشكل تحديا رئيسيا لا يستهان به لمستقبل الطلب على النفط، ويصبح هذا التحدي أكثر خطورة بالنسبة إلى البلدان المعتمدة اعتمادا مفرطا في دخلها على النفط الخام ومنها دولة الكويت، ويفرض هذا التحدي على مثل هذه البلدان أن تعيد حساباتها بالنسبة إلى توقعاتها المتعلقة بالطلب على النفط خلال العشرين سنة المقبلة، ليس في أسواق الدول الصناعية فحسب بل في أسواق الدول النامية التي قد تجد في السيارات الاقتصادية مخرجا يمكنها من خفض فواتير وارداتها اليومية من النفط.