لا أدري كيف أصف هذا الشعور الذي يمور في داخلي، هذا الإحساس الملتف في خيبته، والمنطوي على أحلامه المجهضة، ولتلك الواجهة البراقة التي فقدت بريقها وقوتها، وسحبت مع أفولها كل مشاعرنا بالاعتزاز والفرح لمؤسسة كانت تمثل واجهة لوطننا في كل بقعة نرتحل إليها عبر الخطوط الجوية الكويتية، التي تشعرنا بالأمان وكأننا بتنا في حضن الوطن... أتذكر حينما كنت في ولاية ميامي الأميركية وكانت المرة الأولى التي أفارق فيها ابنتي التي تدرس هناك، وقتذاك كنت أشعر بغربة وبافتقاد حاد وأنا أفترق عنها للمرة الأولى، ولم أشعر بالهدوء والسكينة إلا حينما شاهدت شعار الكويتية في مطار كنيدي، ساعتئذٍ شعرت بأن روحي قد ردت إلي وحالة الافتقاد خفت وسرت الراحة بقلبي بمجرد رؤيتي لشعار الخطوط الجوية الكويتية.

Ad

لكن للأسف لم نهتم بقيمتها وبما تمثله لنا من قيمة مستمدة من تمثيلها لوطننا في كل محطة وفي كل غربة، وكل شعور بالعزة وبالكبرياء. الكويتية الآن كأنها تصدر نداءها الأخير في الوجود على ساحة الطيران المثالي، فكل علاماتها تدل على ذلك، بعضهم يقول إن الشركة في حالة انتظار للخصخصة، ولذلك تحاول أن تظهر في أسوأ صورة من عدم الانضباط والانتظام في مواعيد الإقلاع، والتأخير المتكرر بسبب عطل الأجهزة، وغيره من أسباب كثيرة... والمهم من وراء ذلك هو إظهار «القطط الفاطسة» كما يقول إخواننا المصريون، والهدف من وراء ذلك حتى يُعجل بخصخصتها، وللأسف في حين نجد أن كل خطوط الطيران من حولنا تتقدم إلى الأمام، نجد أن الخطوط الكويتية تتقدم إلى الخلف، وهذا التقدم إلى الخلف لا يعفيها من المسألة في تراجعها المستمر هذا، فمثلا في رحلتها إلى القاهرة بتاريخ 31 أكتوبر2009 الرحلة رقم 541 التي تأخرت عن الإقلاع 10 ساعات وبقي الركاب في المطار 12 ساعة، منها ساعة ونصف داخل الطائرة التي حبس فيها أكثر من 270 راكباً من دون أن يُعلَن أو أن يُشرَح لهم سبب التأخير أو حتى أن يُقدَّم إليهم اعتذار، ساعة ونصف والركاب محبوسون والطائرة « تزحر» وتطحن وهي في مكانها سر، وحين أُفرج عنهم وضعوا مدة نصف ساعة في البوابة وكأنهم في علبة سردين، ومن بعدها أطلق سراحهم ليبقوا في المطار ترانزيت مدة 10 ساعات، فالركاب الذين جاءوا إلى المطار من الساعة العاشرة صباحا، طاروا في الساعة العاشرة مساء، ولم يقدم إليهم أي توضيح أو شرح يبين ويحدد وقت السفر بالضبط، فكل من هناك لا يعلم أي شيء عن ماهية الوضع، هل هناك سفر أم لا؟ ولا أحد من المسؤولين هُزت شعرة من رأسه وجاء ليتفقد الوضع غير العادي ويتحمل مسؤولية أطفال ونساء ورجال حبسوا في مطار منذ الصباح إلى المساء ولا يعرفون ماذا يفعلون بوضعهم المتعب هذا، كل طيران العالم يعرف ماذا يفعل في مثل هذه الحالة إلا الكويتية التي حبست الجميع بلا أي اهتمام أو تقدير، كأنهم ليسوا ببشر يجب تقديم الاعتذار إليهم وحل مشكلتهم إما بإرجاعهم إلى بيوتهم ومن ثم الاتصال بهم حين تتوفر لهم طائرة أخرى، وهذا ما تفعله الشركات المحترمة التي لا تكتفي بالاعتذار وحده، بل تقوم بتقديم جميع الخدمات المطلوبة مثل إنزال الركاب في الفنادق مع دفع كل المصروفات والمساعدات، ولكن الكويتية ضربت عرض الحائط بكل ما هو إنساني، وبكل ما هو أخلاقي، وقدمت كل ما هو مهين للناس الذين ليس لهم أي ذنب إلا أنهم لسوء الحظ قد اختاروا السفر على متن خطوطها التي لم تحترم إنسانيتهم.