كما كتبنا ذات مرة فإن الصراع، في حقيقته، ليس صراعا بين الأصول أو الأعراق أو المذاهب رغم محاولة المتنفذين الفاسدين والمفسدين تذكية الصراعات الثانوية بين الناس، وتصويرها على أنها هي أساس الصراع الدائر في المجتمع من أجل إلهائهم في صراعات جانبية هامشية، لكي لا يتوحدوا في الدفاع عن مصالحهم المشتركة، بل إن الصراع، في الأساس، هو صراع بين الفئات والطبقات الاجتماعية التي ينتمي إلى كل منها أفراد مختلفو الأصول والأعراق والطوائف، وحتى المناطق السكنية، فهناك طبقة وسطى عريضة في المجتمع الكويتي يعاني أفرادها المعاناة ذاتها بغض النظر عن أصولهم أو أعراقهم أو مذاهبهم أو أديانهم أو جنسهم.

Ad

والشيء ذاته ينطبق على كل المنتمين إلى فئة الدخل المحدود، فهم جميعهم يعانون الظروف المعيشية والحياتية الصعبة ذاتها رغم اختلاف أصولهم ومذاهبهم ومناطق سكنهم، وبالطبع فإن الأمر نفسه ينطبق أيضا على الطبقة الرأسمالية التي نراها تدافع بقوة عن مصالحها الاقتصادية كطبقة ولا نجدها تدافع، إطلاقا، عن أصول أعضائها المتعددة أو مذاهبهم الطائفية المختلفة.

وخير شاهد على ذلك موضوعا الخصخصة ومحاولة التعدي على الدستور الذي يهدف إلى تحويل مجلس الأمة إلى مجلس استشاري على غرار مجالس الشورى الموجودة في المنطقة، إذ إنه من الواضح تماما أن الاصطفافات الحالية تجاههما ليست اصطفافات فئوية أو عرقية أو مذهبية، بل على العكس من ذلك فإنها اصطفافات ذات مدلولات اقتصادية واجتماعية تتعدى العرق والمذهب والمنطقة السكنية، لذلك فإنه من الخطورة بمكان أن ينساق شبابنا وشاباتنا وراء ما يدعو إليه الإعلام الفاسد، وما تحاول رموز الفساد أن تصوره من أن صراعنا المجتمعي هو صراع مذاهب وفئات عرقية ومناطق سكنية لأن في ذلك تهميشا وتمييعا أو لنقل إخفاء متعمدا لطبيعة الصراع الحقيقي الدائر في المجتمع.

من هنا فإنه يتعين علينا كمواطنين أحرار نعيش في دولة دستورية ألا ننساق بشكل ساذج وراء ما يطرحه البعض من دعوات خطيرة تهدف إلى تكوين اصطفافات عرقية ومذهبية جديدة تحت مسمى «أبناء القبائل» أو «الحضر والبدو» أو السنة والشيعة لأن ذلك في حقيقة الأمر هو ما يصبو إليه أعداء الدستور والتقدم الاجتماعي، إذ إن مصطلحات مثل «أبناء القبائل» أو «الحضر» أو السنة والشيعة هي مصطلحات عرقية وفئوية ومذهبية لا أساس دستوريا أو علميا لها، بل إنها ستنتهي تلقائيا إذا ما أصبحنا في دولة دستورية حقيقية يتنافس مواطنوها في ما بينهم بناء على قدراتهم ومؤهلاتهم وإخلاصهم ونظافة أيديهم وليس بناء على أصولهم أو مذاهبهم أو أسبقية وصول أسلافهم كمهاجرين أو مناطق سكنهم، لكنها، أي هذه المصطلحات، تستخدم بكثرة في الآونة الأخيرة من قبل بعض العنصريين ويروج لها بوقاحة ورخص الإعلام الفاسد أخلاقيا وماليا وسياسيا لتكريس واقع مريض ومتخلف من أجل تضليل الناس وخلط الأوراق، لأنه من المعروف أن صراعات وهمية وهامشية من هذا النوع لا تعكس حقيقة الصراع الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع، بل إنها تحرفه عن مجراه الطبيعي.

إن تصوير الصراع المجتمعي على أنه صراع بين «أبناء القبائل» من جهة و«الحضر» من الجهة الأخرى، هو تضليل للناس، الهدف منه هو عزل مكون أساسي من مكونات المجتمع الكويتي، وهم المواطنون الكويتيون ذوو الأصول القبلية وتحويلهم من مواطنين دستوريين أحرار لهم الحقوق ذاتها وعليهم الواجبات نفسها التي تشمل فئات المجتمع الكويتي كافة بغض النظر عن أصولهم أو جنسهم أو مذاهبهم أو مناطق سكنهم، إلى فئة عرقية معزولة تتحارب مع فئات عرقية أخرى متوهمة ومعزولة أيضا (الحضر) ما يساعد على تفتيت المجتمع وتمييع الصراع الحقيقي، وهو الأمر الذي يسهل تحقيق الأهداف التي يريدها أعداء الديمقراطية والدستور والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة