مرَّ على قرار دول الاتحاد الأوروبي، الذي اتُّخِذ بالإجماع ونصَّ على أن تكون مدينة القدس عاصمة لكل من إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية وعلى عدم الاعتراف بأي تغييرات أُدخلت على حدود ما قبل يونيو 1967، أكثر من شهر، ومع ذلك فإن المتابعة العربية لاتزال تدور في حلقة مُفرَغة، ولايزال بعض العرب يتعاطون مع هذا التطور المهم جداً، إذ أكد الأوروبيون في قرارهم هذا أيضاً أن غزة والضفة الغربية والجزء الشرقي من المدينة المقدسة أراضٍ محتلة، من باب رفع العتب وكأن قضية فلسطين ليست سبب كل ما شهدته هذه المنطقة من انقلابات عسكرية وبؤر توتر وخضات اجتماعية وسياسية على مدى الستين سنة الماضية.

Ad

كان المفترض أن يلتقط العرب هذه اللحظة التاريخية وأن يتحركوا بسرعة ويتَّفقوا مع الأوروبيين على نقل هذا القرار غير المسبوق إلى مجلس الأمن الدولي، والمطلوب هنا هو التأكيد مجدداً على أن مرجعية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي دعا الاتحاد الأوروبي إلى استئنافها على الفور، هي حدود الرابع من يونيو عام 1967.

الآن هناك محاولة أميركية سبقت مجيء جورج ميتشل مجدداً إلى المنطقة لزحزحة الرئيس محمود عباس (أبومازن) عن تمسّكه بعدم استئناف المفاوضات قبل إيقاف الاستيطان بكل أشكاله، وبما في ذلك الذي يستهدف القدس الشرقية، وهذه مسألة لا يجوز تحميلها للفلسطينيين وحدهم، والمفترض أنه إذا كان لدى العرب موَّال آخر أن يتحملوا هم هذه المسؤولية وأن يقبلوا علناً، إن لم يكن من خلال قمتهم الدورية المقبلة فمن خلال اجتماع يخصصه وزراء خارجيتهم لهذه الغاية، الضماناتِ الأميركية التي تعتبرها واشنطن كافية لاستئناف هذه المفاوضات المتوقفة.

وحقيقة فإن تجربة الفلسطينيين مع العرب، أو مع بعضهم، لا تجعلهم يطمئنون إلى المواقف العربية غير المثبتة من خلال تحرك جماعي معلن، ولعل تجربة تقرير غولدستون هي المثال الصارخ على أن كلام الليل يمحوه النهار، وأنه تم التخلي عما تم الاتفاق عليه بعد ساعات وتُرك أبومازن يواجه تلك الحملة الظالمة المسعورة وحده، وذلك إلى حد أن وزير خارجيةٍ عربي لم يخجل من أن يقول له مواجهة: «لقد انتهيت وعليك أن ترحل»، مع أن دولته كانت أولى الدول التي طالبته بتأجيل مناقشة تقرير غولدستون هذا حتى مارس من هذا العام.

لا يستطيع أبومازن أن يذهب إلى المفاوضات بدون أحد أمرين هما: إمَّا إلزام بنيامين نتنياهو بإعلان وقف الاستيطان في الضفة الغربية بكل أشكاله وصوره، وبما في ذلك القدس الشرقية، وإما صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، توافق عليه الولايات المتحدة وكل الدول الدائمة العضوية، ينص صراحةً على أن مرجعية هذه المفاوضات هي حدود الرابع من يونيو عام 1967، وأن السقف الزمني لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقاً لهذه الحدود يجب ألا يتجاوز عامين فقط.

أما أن يتضافر الضغط العربي مع الضغط الأميركي على أبومازن لحمله على قبول ضمانات أميركية ضبابية لاتزال مجرد كلام في كلام، فإن هذا يشكل انتحاراً في وضح النهار، ولذلك وفي مثل هذه الحالة، فإن الأفضل له وللقضية الفلسطينية أن يتخلى عن مسؤوليته ويضعها في عنق العرب، وبخاصة أن تجربة غولدستون لاتزال ماثلة للعيان، وأن الحديث النبوي الشريف يقول «لا يُلدَغ المؤمن من جحر واحد مرتين».

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة