المشاركون في ندوة الإعلام الإقليمية: الإعلام العربي يحتاج إلى مزيد من الحرية
لفت د. غانم النجار إلى أن الانظمة العربية بمجملها تسعى إلى التكيف مع التحولات الدولية والتطورات التكنولوجية، مؤكداً أنها لا تزال غير متوانية عن استخدام أجهزتها الأمنية في التصدي لما يخرج عن الإطار، وأن المستقبل لن يكون في مصلحة حجر الحرية.
اتفق المشاركون في فعاليات الندوة الإقليمية "حرية الإعلام في دول الخليج العربي" تحت شعار "من أجل إعلام مستقل ومتعدد" صباح أمس بفندق هوليدي ان، على أهمية دور الإعلام في تطور ورقي المجتمعات، لافتين إلى أن الإعلام العربي لا يزال بحاجة إلى مزيد من الحرية حيث لا يزال بعض أنظمة دول العربية يمارس القمع والعنف ضد الصحافيين والإعلاميين .في البداية قال رئيس الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان عادل الدمخي خلال حفل الافتتاح ان الشراكة بين وسائل الإعلام ومنظمة اليونسكو وجمعيات حقوق الإنسان جاءت لتحويل العمل الإنساني إلى واقع عملي اذ حرصت الجمعية على تقديم كل ما يفيد حقوق الإنسان، مطالبا بمساهمة وتكريس المفاهيم الصحافية لاسيما أن الكويت تعتبر الأولى بين دول الوطن العربي في مجال الحريات.وأضاف الدمخي نطمح الى أن تكون منظمات حقوق الإنسان جزءا من وسائل الإعلام لان هذه المنظمات حرصت على إقامة وعقد الفعاليات الحقوقية التي تسعى الى رعاية حقوق الإنسان وخاصة بالكويت وتأصيلها في الشريعة الإسلامية .الأصالة والمعاصرةمن جهته قال رئيس تحرير قناة الجزيرة أحمد الشيخ "قبل أسبوعين كنتُ في عَمان وسحبتُ من المكتبة كتاباً من إعداد مركز دراسات الوحدة العربية عن التراث والأصالة والمعاصرة صَدر قبل 26 عاماً، وأخذت أقرا سلسلة المقالات التي تضمنها الكتاب وكان السؤال الذي يلح علي هو "هل هذا حقاً هو الموضوع الذي ينبغي اليوم لي أن أخوض فيه؟" إذ ما هي الشروط أو قل الشرط الرئيسي للمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة في العالم العربي في القرن الحادي والعشرين؟ إنها الحرية في رأيي". وتحدث الشيخ عن حرية الإعلام قائلا: في أجزاء أخرى من العالم ربما أصبح الحديث عن حرية الإعلام من نافلة القول إذ بلغت الدول الغربية وغيرها من الدول الناهضة شأواً بعيداً في صيانة حقوق المواطنين وبناء ركائز المجتمع الحديث وعلى رأسها حق الإعلام الحر، معتبرا أن من باب التأريخ للإعلام العربي والخليجي ضرورة الإشارة والوقوف عند ميلاد قناة الجزيرة عام 1996، لافتا إلى أنها "مرحلة مفصلية، ولحظة فارقة بعد أن رفعت الجزيرة سقف الحرية إلى حدود بعيدة لم يبلغها الإعلام العربي من قبل، ومن أراد أن يصيب نجاحاً أو يتمتع بالقدرة على المنافسة فلابد أن يرفع سقفه".الجلسة الأولىوفي الجلسة الأولى التي تناولت حرية الإعلام من منظور حقوق الإنسان، قال رئيس الجلسة الإعلامي والكاتب الصحافي يوسف الجاسم ان الله كرم الإنسان بالعقل ليخدمه في قضايا كثيرة منها الحريات، مشددا في الوقت نفسه على أن المملكة العربية السعودية سمحت مؤخرا بالكتب التي منعتها الكويت.من جانبه اعتبر رئيس المركز العربي للتربية على القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في فرنسا د. محمد الميداني أن "الكلمة" وسيلة الإعلام بامتياز على مر العصور والأجيال، ولو أن الصورة أصبحت تزاحم هذه الكلمة منذ عقود وعقود، ولكنها تبقى في البدء دائما.وقال الميداني ان "مما لا شك فيه أن الكلمة وأهميتها وتأثيرها تزايدت حين انتشرت الكتابة، وخُططت الكتب والمؤلفات، ومن ثم طبعت، وصدرت الصحف، إلى أن أطل القرن التاسع عشر بوسيلة إعلام جديدة ألا وهي الصورة الضوئية، ومن ثم جاء التصوير السينمائي في نهاية القرن التاسع عشر، لنشاهد مع نهاية القرن العشرين ثورة المعلومات والاتصالات المذهلة التي جعلت من أرضنا المسكونة قرية عالمية، نطلع فيها على ما نريد، وتصلنا أخبار القريب والبعيد من خلال المواقع الاجتماعية، ونعبر من خلالها عن الآراء والأفكار، لنواكب بذلك الثورة الإعلامية ومختلف أجهزتها ووسائلها وتقنياتها".وقال المعقب الأول على الجلسة النائب السابق احمد باقر ان الميداني اثبت من خلال الورقة المقدمة أنه لا وجود للحرية من دون قيود لا سيما أن بعض الاتفاقيات الأميركية فيها الرقابة مسبقة موضحا أن الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1990 والذي ورد في المادة 22 منه أن هناك حق التعبير بحرية الرأي بحيث لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. واستشهد باقر بالدستور الكويتي في المادتين 35 و35 من الدستور اللتين تكفلان حرية البحث والتفكير والرأي وفقا للقانون، "وخلال عضويتي في عام 1985 قدمت قانونا لتجريم المساس بالذات الإلهية، وصدر القانون في 1986 ونقل إلى قانون المطبوعات بحذافيره خاصة فيما يخص المسائل المحظورة".وبين باقر أن بعض الصحف تخالف قانون المطبوعات والنشر في ما يخص مداولات مجلس الوزراء وتسريب أخبار غير صحيحة، مشيرا إلى أن الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان يتفق مع القانون الكويتي.الجلسة الثانيةوفي الجلسة الثانية استعرض رئيس تحرير جريدة القبس وليد النصف تعاطي جريدته مع قضايا حقوق الإنسان، قائلا "هناك 3 قضايا حقوق إنسانية نتناولها هي حقوق المرأة والبدون والعمالة الوافدة، بالإضافة الى قضايا يومية متفرقة تتعلق بأفراد، الأمر الذي ينتج عن كل مشكلة حقوق إنسان جملة مشاكل لابد من الوقوف عندها".وتطرق النصف إلى قضية حقوق المرأة قائلا ان "هناك تمييزا يبدأ في الأحوال الشخصية وينتهي بالرواتب، وقد عالجت المحكمة الدستورية قضايا محدودة وحسمتها لمصلحة المرأة كحق السفر من دون إذن الرجل، وحجاب المرأة النائبة"، مضيفا اننا نصطدم خلال تبني موضوع المساواة مع بعض القوى الإسلامية وقوى محافظة وقبلية عموما تتمسك بالمفاهيم التقليدية التي تجاوزتها الحياة نفسها، ولكن هذه القوى فعالة ومؤثرة في المجتمع ونحرص على عرض رأيها باستمرار.وعن قضية منع الاختلاط وما ينتج عنها من تأثيرات سلبية على مستوى التعليم وزيادة الكلفة باستمرار، قال النصف ان "الانقسام بشأن هذه القضية سيستمر لفترة طويلة، لان القوى المتمسكة به لا تهتم بكلفته لان الامر يتعلق بقناعاتها، ونحن نعرض وجهتي النظر في المقالات، وان كانت جريدتنا ترفض هذا الفصل بين المرأة والرجل غير الموجود في كل نواحي الحياة في المجتمع".وتطرق النصف إلى قضية "البدون" معتبرا انها "مشكلة غياب قانون موحد المعايير وقابل للتطبيق، لأن السلوك الحكومي طيلة المرحلة الماضية جعل من تطبيق القانون امراً مستحيلا، وخلق حالات متفاوتة تخضع للحسابات السياسية الآنية، والمشكلة انه مع كل خطوة تجنيس نعطي الجنسية لمن لا يستحق معظم الاحيان ونحرم منها المستحق"، مضيفا :"لا أفق لحل شامل وقريب للمشكلة لأسباب تتعلق بتوازنات المجتمع الكويتي مع العلم بأن كل تأخير يجعل الحل الشامل بعيداً لا بل مستحيلا، ويترك القضية مطروحة باستمرار، وبالتالي يصبح مشروع أزمة دائمة تتداخل مع أزمات أخرى بما يعمق الانقسام داخل المجتمع، وهذه هي ضريبة عدم تطبيق القانون". واعتبر أن "الصحافة واقعة في مأزق، بين معارضة كويتية واسعة لتجنيس البدون لأسباب اقتصادية ليست خافية على أحد، وبين إيمانها بحقوق الإنسان، لأن مكاسب الجنسية ستجعل صفوف السكن والتعلم والطبابة طويلة جدا، وهذا السبب يعزز ازدواجية المعايير بحدة داخل الصحافة وحتى داخل جمعيات حقوق الإنسان الكويتية".وتحدث النصف في مبحثه الأخير عن المشاكل التي تواجه الصحافة وجمعيات حقوق الإنسان الكويتية مثل ازدواجية المعايير في التعاطي مع هذه القضايا ولو بنسبة متفاوتة، خصوصا مشكلة البدون الأكثر حدة على هذا الصعيد، "وهو أمرنعترف به من دون تردد، كذلك الفساد الذي يتجلى في عدم تطبيق القانون، وعلى سبيبل المثال لا الحصر، لم نجد حتى الآن تاجر إقامات واحدا تم سجنه، بالإضافة إلى نقص ثقافة الإنسان الكويتي في حقوق الإنسان ما يجعله في مواجهة مع الصحافة والقانون، ويخلق سلوكا عنصريا أحيانا، وهو أمر غير مقبول لذلك نعمل على تعميم ثقافة حقوق الإنسان".بدوره اكد أمين سر جمعية مقومات حقوق الإنسان د. فهد الخنة ان هناك تقصيرا من بعض اللجان البرلمانية خاصة في بعض الأمور المتعلقة بحقوق المرأة، مشيرا إلى أن السدود في مواجهة الإعلام لم تصمد امام التكنولوجيا لا سيما أن بعض الدول العربية طورت من أدائها حتى لا يشاهد المواطن حداثة القنوات الأخرى.الجلسة الثالثةوافتتح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د. غانم النجار فعاليات الجلسة الثالثة التي كانت بعنوان "أثر النظم السياسية العربية على مضمون الرسالة الإعلامية"، قائلا: "ان السمة الغالبة للنظم العربية هي المركزية الشديدة والشمولية في اتخاذ القرار حيث تتباين الأنظمة بدرجة أو بأخرى بسبب طبيعة النظام السياسي"، مضيفا أن "الإعلام والرسالة الإعلامية المنقولة خلاله ليست إلا أحد اتساق المجتمع وبالتالي فهي انعكاس طبيعي للنظام السياسي المركزي"، لافتا إلى أنها تكون في أغلبها من وجهة نظر السلطة أداة سياسية من الدرجة الاولى وأداة إعلامية بدرجات أقل بكثير.وبين النجار أن طبيعة الرسالة الإعلامية تنقسم تاريخيا إلى قسمين الاول منذ بداية التسعينات والثاني ما بعدها بتواتر سريع وملحوظ، مشيرا إلى أن هذا التقسيم أفرز مجموعة من التحولات الهائلة التي حدثت في العالم جراء انتهاء الحرب الباردة وتحول العشرات من الدول الشمولية والدكتاتورية إلى أنظمة ديمقراطية.وأوضح النجار أن ثاني تلك المؤثرات هو التطور التكنولوجي الهائل الأمر الذي فرض عدة تحديات على الأنظمة المختلفة وفرض عليها بعض التحولات ونجدها من خلال الفضائيات والإنترنت، لافتا الى ان العديد من الدول العربية أصيبت بحالة قلق من التطورات اذ سعى البعض منها إلى إجراء بعض التعديلات الشكلية من حيث تطور طريق العرض وأسلوبه دون التغيير في طريقة المحتوى والمضمون.وقال النجار ان بعض النظم العربية سبقت الآخرين في الاتجاه لتحويل إعلامنا المحلي إلى عربي من منظور سياسي وليس تجاريا، كالسعودية وقطر، مؤكدا أن ذلك أحدث تطورا ملحوظا من خلال تأسيس قنوات فضائية خاصة تفاوتت في قدرتها الفنية وسقف الحرية المتاح فيها، واستشعار الأنظمة العربية بحجم الانكشاف الإعلامي الخارجي، مضيفا أن القلق والهواجس العربية ظهرت بوضوح في نص وثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية، لافتا إلى أن أهم الإشكاليات تكمن في طبيعة التوجيه وميكانيكية العلاقة والقضايا المطروحة بالرقابة الذاتية.