اللقاء عند النقطة الواحدة!
المفترض أن تراجع حركة حماس مواقفها وسياساتها، وخاصة بعد أن تكرر تطابق هذه المواقف والسياسات مع المواقف والسياسات الإسرائيلية المتعلقة بجوهر القضية الفلسطينية وعملية السلام في الشرق الأوسط، وآخر هذا التطابق هو الرفض المزدوج لما يُقال من خطة أميركية نُسب إلى الرئيس باراك أوباما تأكيده أنه سيفرضها على الطرفين، أي الفلسطيني والإسرائيلي، في الخريف المقبل، بعدما تيقّن كبار مستشاريه من أن المفاوضات عن قرب، المقترحة، لن تقود إلى النتائج المرجوة.والمعروف، وهذا معلنٌ وتناقلته الصحافة ووسائل الإعلام، أنه ما ان كشفت صحيفة هآرتس النقاب عن هذه الخطة، التي تستند إلى ما كان تقدم به الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إلى كل من الرئيس الراحل ياسر عرفات ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي كان وقتها رئيساً للوزراء، في محادثات كامب ديفيد الشهيرة في عام 2000، حتى سارع بنيامين نتنياهو إلى رفضها واعتبارها "ليست مقبولة ولن تكون مقبولة"، وهذا ما فعلته حركة حماس إذ بادر المستشار السياسي لرئيس حكومتها (المقالة) د. يوسف رزقة إلى القول: "إن طرح الإدارة الأميركية هذه المبادرة يصب في المصلحة الإسرائيلية، ولا يخدم المشروع الوطني الفلسطيني".
وكانت "حماس" قد التقت إسرائيل أكثر من مرة عند نقطة واحدة، من بينها الإسراع إلى رفض نية رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إعلان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة في منتصف العام المقبل، انطلاقاً من أن بناء هذه الدولة أصبح أمراً واقعاً من خلال الإجراءات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي باشرت السلطة الوطنية تنفيذها منذ نحو عام، وشملت كل مدن وقرى ومناطق الضفة الغربية. إن هذا في حقيقة الأمر ليس نادراً ولا مستغرباً، فأكبر المفكرين الإستراتيجيين الذين عرفهم التاريخ، والذين لاتزال نظرياتهم السياسية تدرس في أهم الجامعات العريقة في أميركا وأوروبا والعالم بأسره، كانوا قد توصلوا إلى استنتاج ثبتت صحته، وهو أن أقصى اليمين لابد من أن يلتقي مع أقصى اليمين عند نقطة واحدة حتى وإن هما مختلفان ويشتبكان في صراع دموي إلغائي بوسائل وأساليب متعددة.وكل هذا وبينما المعروف أن كبار مفكري اليسار العالمي كانوا يصرون على النظرية القائلة: "إن أقصى اليسار وأقصى اليمين يلتقيان في النهاية عند نقطة واحدة"، ولعل ما تجب الإشارة إليه هنا هو أن هذه النظرية كانت قد استخدمت بإفراط شديد في سبعينيات القرن الماضي، ويومها لم تكن حركة حماس قد تبلورت حتى كمجرد حلم في رؤوس قادة التنظيم العالمي لـ "الإخوان المسلمين"، عندما كانت التنظيمات الفلسطينية اليسارية تلتقي مع اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً في رفض قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، ورفض عملية السلام بصورة كلية.والمشكلة بالنسبة إلى خطة السلام الأميركية الجديدة، التي كشفت النقاب عنها صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أن رفض بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان يستند إلى معلومات تفصيلية ودقيقة، في حين أن رفض "حماس" يستند إلى استنتاجات سماعية وتصورات ضبابية، على غرار رفض الكثير من الفصائل الفلسطينية اتفاقات أوسلو وخارطة الطريق وتفاهمات "أنابوليس"، وهي لم تعرف عنها شيئاً ولم تكلف نفسها عناء قراءة هذه الاتفاقات والتفاهمات، رغم أنها متوافرة وتناقلتها كل وسائل الإعلام العربية والعالمية.