في قصة الأطفال الكلاسيكية تقع حبة جوز على رأس الدجاجة الصغيرة فتفزع وتعتقد أن السماء تتساقط، وتركض لتبلغ ملك الغابة بهذه الفاجعة، وفي طريقها للملك تصادفها الكثير من الحيوانات فتصرخ بهم «إن السماء تتساقط ويجب أن نحذر الملك»، فيتبعونها جميعا بنفس الاندفاع والهلع للملك حتى يصادفهم ثعلب ماكر يستغل غباءهم واندفاعهم ليأخذهم إلى كهف منعزل ويصنع منهم وليمة لذيدة.
أتذكر هذه القصة كلما خرج «نوائب» الأمة «بمصيبة» جديدة وتحركوا وصرحوا وهددوا بهلع واندفاع دون دراسة أو تحليل أو القليل من المنطق، ولعل أقرب مثالين هما حالتا الاستنفار والتأهب اللتان صاحبتا التعامل مع ما سمي بظاهرة «المسرَّحين» و»وباء إنفلونزا الخنازير».ففي حال «المسرحين» تراوحت أرقام النواب لحجم المشكلة ما بين 4 آلاف إلى 12 ألف مسرح دون أن يكلف أيٌ منهم إعطاءنا مصدر هذه المعلومة الخطيرة، وكالعادة جاءت الحلول عاطفية وقصيرة النظر وبعيدة كل البعد عن أي وعي اقتصادي أو اجتماعي. وتدور الأيام لينخفض الرقم لما دون الألف وتختفي القضية من الإعلام دونما أي اعتراف أو اعتذار بالخطأ أو الاندفاع غير المبرر.أما «الخنازير» فرغم آراء المختصين والبيانات الموثقة وتجارب الدول المتقدمة، فقد أعمى الهلع والخوف نظائر «قادة» الشعب، وأتوا بمطالبات تعجيزية لا يمكن تحقيقها حتى لو كان وباء كوليرا أو جدريا! ولو عاد الأمر لهم لما فتحت المدارس إلى يومنا هذا، ولتوقفت الحياة في الدولة بأكملها. وها هي الموجة الأكبر من الإنفلونزا تمر وتختفي وتصيب الآلاف دون خسائر تذكر مقارنة بخسائر حالات الإنفلونزا الموسمية أو حتى البرد العادي.يفترض بالقائد وممثل الشعب الحكمة، وإن لم تتوافر فعلى الأقل الشجاعة بالاعتراف بالخطأ، والحد الأدنى من الذكاء للتعلم من الأخطاء، ولكن الإصرار على الخطأ واستغلال جهل عامة الشعب وضعف ذاكرته لمكاسب سياسية ضيقة، هو قمة الانحطاط الأخلاقي والحضاري.الأخطر أن «الثعلب الماكر» يتربص بهؤلاء النواب ويتابع (بل يتحكم) بتحركاتهم ليجعل منهم وليمته الكبرى، فهم بعلم أو بغير علم يصبون في مصلحة كبار اللاعبين السياسيين بشل البلد بالخوف والنزاع والتأزيم، وبالتالي تحميل الحكومة (والمجلس) مسؤولية الفشل والتراجع. والمشكلة أن الثعلب لن يأكلهم هم فقط (وياليته)، ولكننا جميعا سنكون جزءاً من وليمته! فهل من حكيم يحمينا من غباء هذه الدجاجة الصغيرة؟
مقالات
السماء تتساقط
03-12-2009