إذن فأنتم تتصورون أن هذا العام كان عاماً سيئاً!

Ad

لقد بدأ عام 2009 بتدمير غزة وتسويتها بالأرض، ثم ارتفعت مستويات البطالة في العديد من البلدان إلى عنان السماء، رغم أننا بدأنا نستشعر أولى علامات التعافي من أزمة الركود، وفي الوقت نفسه، عاد الكثير من المصرفيين إلى "معالفهم" وكأن شيئاً لم يحدث، ويبدو أن الجشع كان في استراحة مؤقتة لا أكثر.

ثم تعرضت باكستان لهجمات هائلة شنتها عليها حركة "طالبان"، وتساقط عدد كبير من القتلى والجرحى بين صفوف قوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) في أفغانستان، وأصبحت "عملية السلام" في الشرق الأوسط تشكل على نحو أشد وضوحاً من أي وقت مضى التناقض الأعظم في عالم العلاقات الدولية.

وأصبحت الاتهامات والاتهامات المضادة تهيمن على الأعمال التحضيرية لمؤتمر تغير المناخ الذي انعقد في كوبنهاغن، وحتى الرئيس باراك أوباما، الذي كنا نتوقع منه المعجزات، تبين لنا أنه مجرد بشر فانٍ يتمتع بمواهب هائلة، ولقد تسلم جائزة "نوبل" للسلام على أمل أن يتمكن من جعل العام القادم أفضل، ولكن من المؤكد أن عمله سيكون مبتوراً.

تُرى هل يشهد عام 2010 انتعاشاً حاداً أم أن الانتعاش سيعقبه هبوط ثم انتعاش من جديد، أم أن التعافي سيكون عبارة عن ميل هزيل نحو أوقات أفضل في الأفق البعيد؟ أظن أن الاحتمال الأخير هو الأرجح، في ظل البطالة وقرارات خفض الإنفاق العام- وهو أمر مؤكد في الولايات المتحدة والعديد من بلدان أوروبا- وما يسفر عنه ذلك من تقييد للثقة الاقتصادية، وكل هذا من شأنه أن يجعل التعامل مع الاختلال العالمي في التوازن أمراً أشد صعوبة.

ولنكن واضحين في تفسير ما يجري من حولنا، فالتخفيض المتعمد لقيمة عملة الصين، وهبوط قيمة الدولار، يشكلان معاً ضغوطاً شديدة على آفاق التصدير في بلدان الاتحاد الأوروبي وغيرها من البلدان مثل كندا والمكسيك، هذا فضلاً عن تفاقم المشكلة سوءاً بفعل إعانات التصدير الصينية المستترة والواضحة والحواجز التي تقيمها الصين في وجه الاستيراد، ولعل احتياج أميركا إلى اقتراض مبالغ ضخمة كان سبباً في تخفيف حدة السخط الأميركي، نظراً لحصولها على القدر الأعظم من هذه المبالغ المقترضة من الصين، ولكن التعريفات التي أقرها أوباما أخيراً على الواردات من الإطارات قد تكون بمنزلة الإشارة إلى تطورات أخرى.

لا شك أن السلوك الصيني سيفرض ضغوطاً سياسية متزايدة على أمثالنا من هؤلاء المعجبين في أوروبا والولايات المتحدة بالنجاح الاقتصادي الذي حققته الصين، والذين يؤيدون التجارة الحرة، ومن المؤكد أن البلدان ذات الاقتصاد الأضعف ستشعر أيضاً بوطأة هذه الضغوط، وإنني لأرجو أن يدرك الخبراء المخضرمون الذين يديرون الاقتصاد في الصين أن السلوك الذي تنتهجه بلادهم لابد أن يتغير، وإلا فمن المرجح أن نواجه صراعاً تجارياً هائلاً واختلالاً في التجارة العالمية. فحتى أكثر أنصار التجارة الحرة صبراً ستنفد ذخيرتهم من الصبر في عام 2010.

إن الضجة المثارة حول تكاليف التعامل مع تغير المناخ في الأمد القريب لن تيسر من مهمة إبقاء الأسواق مفتوحة بأي حال من الأحوال، ولكن التقاعس عن العمل الآن لن يؤدي إلا إلى رفع تكاليف العمل المؤجل إلى وقت ما في المستقبل، وفي حين أن أكثر نتائج قمة كوبنهاغن تفاؤلاً- التوصل إلى معاهدة عالمية تحد من الانبعاثات الكربونية- أصبحت الآن مستبعدة، فإن التوصل إلى ثاني أفضل نتيجة قد تحققها القمة- استمرار التفاوض على اتخاذ تدابير محددة في إطارٍ من النوايا الحسنة- لن يكون بمنزلة الكارثة، أما التوصل إلى أي نتيجة أقل من ذلك فهو أمر بالغ الخطورة.

وطبقاً لأي من هذين السيناريوهين الأكثر تفاؤلاً، فإن إحدى العواقب ستتلخص في نقل- فعلياً أو افتراضياً- مبالغ ضخمة من الأموال من البلدان المتقدمة إلى البلدان الناشئة أو النامية لتغطية بعض تكاليف الحد من الانبعاثات وحماية البيئة في هذه البلدان. ولنتخيل معاً حجم المشاكل التي سيواجهها المشرعون والساسة في البلدان الديمقراطية المتقدمة حين يضطرون إلى شرح الأسباب وراء ضرورة منح بلدٍ مثل الصين مليارات من الدولارات، رغم أن تعمد الصين خفض قيمة عملتها يشكل سبباً رئيساً وراء خسارة العديد من ناخبيهم لوظائفهم.

إن التزام أوباما بخفض كبير في حجم الترسانات النووية في العالم يبشر بالخير لمؤتمر تجديد معاهدة منع الانتشار النووي المقرر انعقاده في عام 2010، ولكن حتى على الرغم من إحراز التقدم في ذلك المجال فإن المشكلة التي خلقها التهديد المتمثل في إنتاج الأسلحة النووية في كوريا الشمالية وإيران ستظل قائمة.

إن التعاون الدبلوماسي الأميركي الأوروبي مع إيران أمر يستحق الترحيب، ولكن ماذا قد يحدث إن لم يسفر هذا عن التزام إيران بالامتناع عن تحويل الطاقة النووية إلى سلاح، أو قبولها بالمراقبة اللصيقة لتقيدها بتنفيذ مثل هذه التعهدات؟ من غير المرجح أن تدعم الصين وروسيا فرض أي عقوبات إضافية على إيران في حالة فشل التحركات الدبلوماسية. ذلك أن العلاقات بين الصين وإيران في مجال الطاقة تشهد نمواً مستمراً، ومازالت روسيا ترى أن مهمتها على الصعيد الدولي تتلخص في اختلاق المشاكل حيثما كان ذلك بوسعها.

هذه مجرد عينة بسيطة مما قد يخبئه لنا عام 2010، ولم نذكر بعد مسألة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وكفاح باكستان ضد المتطرفين القتلة، والصعوبات الدامية التي يواجهها حلف شمال الأطلنطي في دعم النظام الأفغاني الفاسد الذي خسر مصداقيته، في محاولة لمنع البلاد من الوقوع مرة أخرى في قبضة "طالبان" و"القاعدة".

ولكن على الرغم من كآبة التوقعات التي نسير نحوها مترنحين، فإن الزهور ستتفتح، وسيحرك النسيم الأشجار، وستغني الطيور ويضحك الأطفال، وربما كان بوسع بقيتنا أن يستمتعوا بالحياة بينما يتولى أوباما رفع الأحمال الثقيلة.

* كريس باتن | Chris Patten

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة".