زمن عبدالله السالم المهرجان الشعبي
لم تكن الأحداث التي جرت في الكويت سنة 1959 عادية على الإطلاق، بل يمكن أن تكون وبدون مبالغة محور ارتكاز لبناء دولة الكويت الدستورية، ففيها جرى تنظيم أهم تجمُّع شعبي سياسي في تاريخ الكويت، وفيها تم سن القوانين التي ارتكزت عليها الدولة.ففي بداية فبراير من ذلك العام تم تنظيم مهرجان شعبي حاشد في ثانوية الشويخ، وذلك إحياءً لذكرى الوحدة بين مصر وسورية، التي كانت قد أُعلنت رسمياً في الأول من فبراير سنة 1958. وخلال ذلك المهرجان الذي كان قد حظي بمباركة ودعم حكوميَّين ومن بعض الشيوخ كذلك، وحضور مذيع إذاعة صوت العرب الشهير أحمد سعيد، أُلقيت الخطابات الحماسية التي تم تصنيفها على أنها استفزازية.
الشيخ عبدالله السالم رحمه الله من جانبه أصدر البيان التالي:«يا شعبي العزيز...من الواضح الجلي أنني سعيت ومازلت أسعى إلى توفير جميع أسباب الرفاهية والطمأنينة لبلادنا العزيزة في السر والعلن.ومازلت أسمع ما لا أحب أن أسمعه عن بعض الشباب الذين لا يقدرون عواقب الأمور ولا ينظرون النظرات البعيدة ولكني أتحاشى تكديرهم راجياً أن ينتبهوا من أنفسهم ويسمعوا نصائح العقلاء، ولقد نبهت المرة تلو المرة عن تكدير العلاقات بيننا وبين جميع أصدقائنا وإخواننا من العرب، وذلك حسبما تقتضيه مصلحة البلاد؛ إذ لا فائدة لنا من تكدير علاقات يجب المحافظة عليها طيبة ما أمكن، ولكن هؤلاء الشباب ركبوا رؤوسهم وتعاموا عن المصلحة العامة حتى بلغ بهم الجهل إلى التمادي عليّ شخصياً في المجتمعات على الرغم مما عُرف عن عهدي من رفاهية وخيرات نحمد الله عليها ويغبطنا عليها الكثير من الأمم، أما الأخطاء والانتقادات التي يرون أنها موجودة في بعض الدوائر فإنها أخطاء لا يخلو منها أي بلد مهما بلغ من التمدن والنظام، وهي حالات سائرة إلى التعديل والإصلاح في القريب العاجل إن شاء الله.ولقد أوعزت بردع هؤلاء عن التمادي في جهلهم مؤملاً أن يكون بذلك سد ثلمة قد تأتينا منها ريح لا نريدها. وكما قيل «ومن السموم الناقعات دواء» وإني أرجو كافة أفراد الشعب العزيز أن يهتموا بصلاح أمورهم الخاصة، وبابي مفتوح لمن يتقدم باقتراح أو شكوى أو بيان صحيح، ففي ذلك تعاون صحيح بين الحاكم والمحكوم ووطنية صادقة، أما الجهل فعاقبته معروفة. والله يهدي الجميع».كان واضحاً من البيان أن عبدالله السالم قد كتبه بنفسه واستخدم كلمات محكية عدة مرات مثل تكدير، وركبوا رؤوسهم، كما كان واضحاً أن الشيخ العود كان غاضباً لأنه بدأ يسمع مساساً شخصياً به، وكان رحمه الله حساساً جداً من ذلك الأمر. إلا أن أهم ما في الموضوع كان تطرقه إلى الإساءة لدول عربية، والمقصود هنا العراق تحديداً. حيث إنه حدثت احتكاكات في أحد المقاهي بين مناصري الجمهورية العربية المتحدة وبين بعض العراقيين المؤيدين لعبدالكريم قاسم، الأمر الذي جعل عبدالله السالم يتوجس من احتمال تطور هذه الاحتكاكات إلى ما لا يحمد عقباه، خاصة أن قاسم جاء بانقلاب على الحكم الملكي سنة 1958، وكان عبدالله السالم من أول المهنئين «بالثورة» التي خلصته من ضغوط الحكم الملكي في العراق الذي كان يدفع باتجاه ضم الكويت إلى الاتحاد الهاشمي العربي الذي ضم العراق والأردن.الأهم من كل هذا وذاك أن الإجراءات القاسية التي اتُّخذت من إغلاق صحف وأندية واعتقالات لم تكن تعني إلا التحضير لمزيد من الانفتاح والديمقراطية وأن الشباب الذين ذكرهم في بيانه كانوا هم الذين استعان بهم في تشكيل الحكم الدستوري لاحقاً، والذين يبدو أن فعلهم الاحتجاجي قد أثمر إيجابياً كما سنرى في المقالة القادمة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة