القلم والبندقية
قرأت مقالة الدكتور سامي ناصر خليفة ولكني أرجأت نقاشها إلى هذه الأيام البهية التي يعيشها وطني الكويت- أقول وطني وأقدم اعتذاري إلى من يرى غير ذلك- وهي أيام لها وقع خاص في نفسي وذكريات خزنتها ذاكرتي منذ طراوتها الأولى وحتى تصلبها. فإن لم أعد أسكن الوطن مؤقتاً لظروف خارج إرادتي فهو يسكنني أبدا لأقدار ليس لي القدرة على تغييرها، ولو ملكت القدرة على تغييرها ما فعلت.ذكر الدكتور الفاضل في مقالته كتاب الوطن البدون وما قدموه إلى وطنهم تحت ظروف تعتبر استثنائية، ورسموا اسم وطنهم بأقلامهم كما يجب أن يرسم الوطن. في المقابل يبخل عليهم مجموعة من كتاب نحترم أدوارهم ونقدرها بمجرد أن ينتمي عملهم إلى وطنهم. وذكرنا بمجموعة من الأسماء التي سجلت بأعمالها الأدبية قيمة إبداعية تضاف إلى رصيد عطاءات الكتاب الكويتيين. هذه العطاءات لا يستطيع أن يدعي بلد ما غير الكويت انتماءها إليه. سليمان الفليح شاعرنا الكبير وأستاذنا الأول وعشقه لوطنه وغناؤه في صحرائه، سعدية مفرح شاعرتنا التي نفتخر بما قدمت من إبداعات أدبية وعمل صحافي اقترب الآن من ربع قرن، علي المسعودي ودوره في الشعر الشعبي والقصة القصيرة، دخيل الخليفة شخصنا المتواضع والزميل ورفيق المشوار، محمد النبهان الذي قدم عالمياً كشاعر كويتي لانتمائه الحقيقي لا لجنسيته الكندية.
أقول تركت التعليق على ما كتبه الدكتور خليفة لهذه الأيام لأتذكر من هم أهم وأسمى من أسمائنا المتواضعة وأعمالنا مهما كان تقييمها. في هذه الأيام تشهد الكويت احتفالية الاستقلال والتحرير، وفي هذه الأيام نتذكر أرواحاً زكية من البدون وأخوتهم الكويتيين حاربوا جنبا الى جنب وسجلوا ببنادقهم وأرواحهم أعمالا لا يرقى إليها الأدب والشعر ولا يقترب منها. هؤلاء الأبطال وسجلهم الاستشهادي يجعل كل عمل أدبي يتوارى خجلاً في أي محاولة للمقارنة. رجالنا في "الصامته" ورجالنا الذي أرخصوا أرواحهم كي لا يقترب السوء من أميرهم المغفور له بإذنه تعالى الشيخ جابر الأحمد. رفاق الشهيد الكندري في معركة الجسر ورفاق السلاح الذين سقطوا صبيحة الغزو الغاشم أمام أعيننا في المعسكرات. هؤلاء الرجال الذين لم يفكروا يومها في جنسيتهم ولكن فكروا فقط في انتمائهم. أسرانا الذين لم يفرق النظام العراقي في قسوة أسرهم بينهم وبين رفاقهم، ولم يفرق آسرهم بين حجم أغلالهم وأغلال رفاقهم الكويتيين.أنا أعلم أنني حين أكتب عنهم وأنا منهم قد يتأول الموقف كمن يستجدي عطفا لهم، وهو موقف يختلف حين يكتب كاتب يحمل ورقة الجنسية والانتماء، بينما ما نحمله نحن هو الانتماء فقط. ولكن ذلك لا يمنع أن نتذكرهم كما نتذكر كتابنا. وأعلم أيضا أن من ينكر عملهم ويتناسى أرواحهم، التي قدموها لوطنهم، في أيام عيد الوطن يبخس هذه الأرواح سكينتها واطمئنانها على ما قدمته لوطنها يوم حاجة الوطن إلى هذه الأرواح الزكية.يحق لي أن أتذكر رجالنا الشهداء، كويتيين وبدون، دون استثناء، وأشعر تجاههم بشعور واحد لا تتحكم فيه ورقة تثبت هذا الانتماء. ربما تتلاشى من الذاكرة بعد عقدين من الزمن أسماء أصحاب الفعل، ولكن لا يتلاشى الفعل. ما لا يمكن نسيانه هو رجل من حرس قصر دسمان كتب ليلة الغزو قصيدته وتركها تحت وسادته، وفي الفجر قدم روحه شهيدا أمام بوابة القصر. لا أذكره لأنه بدون ولكنه الوحيد الذي استعمل قلمه وبندقيته كما يليق بالقلم والبندقية.