أمين القصة القصيرة

نشر في 31-01-2010
آخر تحديث 31-01-2010 | 00:01
 ناصر الظفيري هناك كتاب تعرفهم عبر كتاباتهم وتتمنى لقاءهم والتعرف اليهم عن قرب. تخذلك في ذلك أمور ليست بيدك ولا بأيديهم وأنتم تعيشون ظروفاً متشابهة رغم قرب المسافة الجغرافية بينك وبينهم. أمين صالح أحد الكتاب الذين وددت لقاءهم منذ بدايات امتهان ألم كتابة القصة في أواخر الثمانينيات. مثّل لنا، نحن جيل ذلك الزمن، عبر كتاباته القصصية منارة راسخة جعلتنا نفتخر به قاصا مبدعا وأحد أهم رموز القصة في الخليج والوطن العربي. أتذكر حين قرأ قصته الدكتور جبرا إبراهيم جبرا في مؤتمر القصة الخليجي في الكويت علّق قائلا: لم أتصور أن في البحرين كاتبا بهذه القدرة. كان ذلك قبل عشرين سنة من الآن.

الجزيرة الساحرة احتوت أمين صالح كليا وأذابته في تفاصيلها، شكلت عزلته بعيدا عن صخب الأضواء وضوضاء الإعلام، مؤمنا بأن الطريق إلى قارئه هو نور حرفه وبهجة حرفته. وبقي أسفي على عدم لقائه عالقا في ذهني حتى اليوم رغم تواصلنا الدائم عبر إهداءات متبادلة وتحيات ينقلها الأصدقاء. فالرجل لا يغادر جزيرته وعالمه لأسباب تخص الجزيرة أكثر مما تخصه نفسه.

أمين صالح كاتب قصصي رفيع المستوى وصاحب تجربة ثرية لم تنل حقها من النقد والبحث، شأنها في ذلك شأن الكثير من التجارب التي فقدت وسيلة التواصل مع القارئ الناقد. ارتبط اسمه باسم رفيق دربه ونضاله الشاعر قاسم حداد الذي حقق وجوده على خارطة الشعر، وهو وجود بلا شك تستحقه تجربة قاسم في الشعر، كما تستحق تجربة أمين في القصة.

وإذا اتفقنا على إبداع الرجلين وإخلاصهما في تقديم نماذج أدبية تدعونا إلى الفخر خليجياً، فإن أسباب النجاح والإخفاق الجماهيري لا تنحصر في الوجود الفيزيائي أو الغياب عن المشهد الأدبي، وإنما ايضا تتعلق بالشكل الأدبي الذي انتهجه الكاتبان والإخلاص في تكريس الجهد الإبداعي. قدم حداد تجربة شعرية ممنهجة نحو تأسيس الشاعر المشروع، بينما تصالح أمين مع القصة وفك ارتباطه بها وأعاده باحثا عن طرق ابداعية موازية كالبحث في السينما التدميرية  وترجمات متنوعة أحيانا.

ولا يمكن أن ألوم أمين صالح على ذلك فأغلب كتاب القصة القصيرة هجروها مكرهين تحت وطأة رغبات القارئ وضغوط دور النشر، وهي حالة ليست مقتصرة على العالم العربي فقط، فالوضع يكاد يتشابه الى درجة كبيرة عالميا.

كنا دائما نلتقي قاسم حداد في مناسبات مختلفة وسؤالنا الأبدي له "كيف أمين؟"، وهو سؤال يفرحه ويجيب عنه وكأنه يجيب عن أحواله. وأن يلتقي الاثنان في الكويت "بضربة معلم" تحسب للأخوة الزملاء في ملتقى الثلاثاء. هو اللقاء الأول، اذا لم تخني الذاكرة، الذي يجمعهما في البلد الذي أحبهما معا، كما أحب كتابات وإسهامات كتاب الجزيرة الساحرة.

أمين صالح بالذات لديه الكثير ليقوله، وتاريخ الرجل الابداعي يستحق أكثر من جلسة أو أمسية عابرة، وهي فرصة أن يلتقي به الزملاء الذين تعلموا منه، وأحسدهم على الالتقاء والاحتفاء به. فهل نحن على موعد مع حضور يوازي حضور رمز مهم من رموز ثقافتنا الخليجية التي عانت الإهمال على مدى عقود طويلة.

back to top