هناك شعور عارم بالإحباط يسيطر على الحالة السياسية في وقتنا الراهن. بل إن ذلك الشعور قد وصل إلى الإحساس بأن البلاد سائرة نحو هاوية لا قرار لها، إلى ما يشبه الانتحار الجماعي، وأنه لم تعد هناك بارقة أمل، ولا بصيص ضوء في نهاية النفق.
في النصف الثاني من الخمسينيات كان الجو العام يوحي بأن الأمور تسير إلى مزيد من التدهور، بل إنها وصلت في سنة 1959 إلى ما يشبه "السِكّة السِّدْ" كيف؟مع مجيء عام 1958 بدا واضحاً أن الحراك الشعبي، قوىً سياسية ومجموعة تجار إصلاحيين، كان مستمراً في الضغط لفتح قنوات المشاركة السياسية. فبعد مصادمات 1956 خلال المظاهرات الجماهيرية دعماً لمصر بعد العدواني الثلاثي عليها في بورسعيد، اتُّخذ العديد من الإجراءات القمعية ضد الحراك السياسي، وكان جزءٌ من تلك الإجراءات إرضاءً لبريطانيا. فبعض الشيوخ لم يكن راضياً عن المسلك البريطاني في بورسعيد، إلا أنه بعد طول انتظار وافق "مجلس الشيوخ الأعلى"، الذي لم يكن له رئيس -وهو موضوع سنعود إليه لاحقاً- على السماح بانتخابات للمجالس المتخصصة مع شيء من التطوير، بحيث يشكّل أعضاء تلك المجالس مجلساً استشارياً شبيهاً بالبرلمان وعدد أعضائه 56 عضواً. بالطبع كان ذلك تطويراً لتجربتي انتخابات 1951 و1954 الفاشلتين.كان واضحاً أن ذلك المجلس سيتعرض لنفس الفشل لأكثر من سبب. أبرز تلك الأسباب كان عدم وجود دستور أو ما يشبه الدستور أو حتى نظام أساسي واضح لتحديد العلاقة بين المجلس والحكومة، أما السبب الثاني فكان في الاعتراض المسبق على عدد من الأسماء، إذ اشترط الشيوخ عدم خوض الدكتور أحمد الخطيب لتلك الانتخابات كشرط أساسي للسماح بها. وقد وافق الدكتور الخطيب على ذلك الشرط رغبة منه في إفساح المجال للعملية السياسية. وجرت الانتخابات وفاز فيها د. الخطيب، ومع ذلك أعلن التزامه بالتنحي، ولكن القشّة التي قصمت ظهر البعير كانت في مزيد من اعتراضات الشيوخ على أسماء أخرى كعبدالرزاق الخالد وجاسم القطامي.وفي مواجهة الإصرار على تنحي عدد من الذين فازوا بالانتخابات تقدم الفائزون بالانتخابات باستقالة جماعية، وهكذا تفلشت وفشلت التجربة الثالثة خلال ثماني سنوات، ولم ينجح المجتمع السياسي في الخروج من المأزق.لن نقول ما أشبه الليلة بالبارحة، فلكل زمان دولة ورجال، ولكل حقبة تاريخية ظروفها الموضوعية والذاتية، لكن التاريخ الذي نتحدث عنه ليس ببعيد، بل في خلاله ووسطه جرت صياغة النظام السياسي الذي سيولد بعد 3 سنوات من تلك الأحداث. وهكذا لم يكن ظهور الدستور مفروشاً بالورود.الشاهد أن التدهور لم يقف عند ذلك الحد، بل إن الأمور قد ساءت قبل أن تتحسن كما سنرى. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء
أخر كلام
زمن عبدالله السالم سِكّة سِدْ
12-10-2009