الحملة على أوباما

نشر في 24-01-2010 | 00:00
آخر تحديث 24-01-2010 | 00:00
 ياسر عبد العزيز قياساً بما فعله بوش، فإن أوباما فعل لبلاده الكثير، فقد استطاع الرجل تحسين صورة أميركا في العالم، وأوقف التدهور الاقتصادي، وأنقذ قطاع المصارف والشركات الكبرى من الانهيار، وضخ أموالاً حكومية في الاقتصاد، وطور نظاماً صحياً في طريقه إلى الإقرار.

بالطبع يمكن لنا أن نتفهم كيف أن قطاعاً كبيراً في الجمهور الأميركي بات محبطاً لأن سنة كاملة مرت من رئاسة أوباما من دون أن تُحل كل المشكلات التي تشهدها البلاد، خصوصا أن هذا الجمهور كان قد انتشى واحتفى كثيراً بمقدم هذا الزعيم الكاريزمي صاحب القدرة البلاغية الكبيرة، وعلّق الآمال الواسعة عليه، لاجتراح المعجزات، في شهور قليلة، مهما كانت الصعوبات والتحديات.

يمكننا أيضاً أن نتفهم تراجع شعبية أوباما في الولايات المتحدة وخارجها، وكذلك الانتقادات لحصوله على جائزة «نوبل» للسلام، استناداً إلى ما أبداه من نوايا لا ما حققه من إنجازات، وبالمثل الهجمات الشرسة عليه من قبل بعض الجماعات المتطرفة، التي اعتبرته «امتداداً لعدوانية سلفه جورج بوش الابن وغطرسته، مختفياً وراء خطاب ناعم وقفازات من حرير».

سيمكننا كذلك أن نصدق أن التحديات التي يواجهها أوباما في السنوات الثلاث المتبقية في ولايته تلك ليست بالسهولة التي توقعها البعض، حين ألقى خطابه المفعم بالآمال، يوم تسلم مهام منصبه في مطلع العام الفائت، وأنه ربما يواجه الفشل والتعثر في بعض الملفات، بل ربما يذهب إلى انتهاج سياسات ستبدو لنا غاشمة وخشنة مثل تلك التي نددنا بها طويلاً على مدى السنوات الثماني التي ابتُلي بها العالم برئاسة بوش الابن.

وإضافة إلى كل ما سبق، فنحن ندرك تماماً أن أوباما لم ينسحب من العراق، كما لم يوقف الحرب في أفغانستان، بل لم ينجح في استثمار الحشد العالمي في قمة التغيرات المناخية في كوبنهاغن نحو تطوير سياسات ملزمة وناجعة تحد من الاحتباس الحراري الذي يهدد سلامة الكوكب وأمنه، كما لم يحل المشكلة الفلسطينية، بل لم يستطع إجبار إسرائيل على تجميد الاستيطان، فضلاً عن إنفاذ رؤية الدولتين.

أوباما أيضاً لم يحل مشكلات الديمقراطية الغائبة في معظم دولنا، ولم يضغط على حكوماتنا التسلطية لرفع يدها الغليظة عن شعوبها المغلوبة، كما لم ينتصر لحقوق الأقليات، وأخيراً لم يحل مشكلة الملف النووي الإيراني، كما أنه لم يغلق معتقل غوانتنامو، ولم يقض على خطر الإرهاب.

يحق لنا في العالم العربي أن نُحبط مع المحبطين لأن أوباما لم يفعل ما سبق خلال سنة واحدة من رئاسته، لكن علينا أن نعترف أيضاً أننا عولنا عليه كثيراً، وحملّناه من الآمال والمطالب والرغبات ما يفوق قدرة الرئاسة في دولة مؤسسية كالولايات المتحدة، وما يتجاوز حدود الفعل في العلاقات الدولية، وما يتخطى طاقة البشر في الأساس.

في 25 من يناير الماضي، أي قبل عام واحد بالتمام، نشرت في هذه الزاوية تحديداً مقالاً تحت عنوان «الهوس بأوباما... والتعويل عليه»، في وقت كانت الآمال فيه تتعاظم والاحتفالات تقام في المجالين العربي والإسلامي انتشاء بتحقق الأماني على يد هذا الزعيم الأسود ذي الجذور الإسلامية والإفريقية؛ ومما جاء في هذا المقال ما يلي: «ثمة حقيقة واضحة لنا في هذا الجزء من العالم؛ وهي أن أوباما يحظى بالإعجاب والهوس ويعزز التفاؤل، وثمة ما يجب أن يكون واضحاً أيضاً؛ وهو أنه لا توجد أي مؤشرات إلى أن أوضاعنا ستتحسن بمجرد انخراطه في التعاطي مع مشكلات منطقتنا، وأن تلك الأوضاع ربما لن تؤهلنا سوى لنيل الهوس بأوباما، دون أن يكون بمقدورنا التعويل عليه».

قياساً بما فعله بوش، وبالنظر إلى صعوبات الأزمة المالية العالمية، والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة بالتورط في حربين من دون ذرائع أخلاقية أو وسائل انتصار وخروج آمنة، فإن أوباما فعل لبلاده الكثير، فقد استطاع الرجل تحسين صورة أميركا في العالم، وأوقف التدهور الاقتصادي، وأنقذ قطاع المصارف والشركات الكبرى من الانهيار، وضخ أموالاً حكومية في الاقتصاد ضمن خطة إنعاش تكلفت نحو 787 مليار دولار، وطور نظاماً صحياً في طريقه إلى الإقرار، وأوقف قتل الأميركيين في العراق، وعزز استراتيجية الخروج من أفغانستان رغم زيادة عديد القوات.

يمكن تفهم أن تلك الإنجازات لا تمنع بالضرورة تراجع شعبية أوباما، كما هي العادة مع أي رئيس أميركي في عام حكمه الأول، لكن ما لا يبدو مستساغاً على أي حال ما يلاقيه الرجل من هجوم غير مبرر من نخب وباحثين ومحللين وإعلاميين عرب، معتبرين أنه خذلهم وأحبط آمالهم، ولم يحقق ما كان مأمولاً منه للعالمين العربي والإسلامي، خصوصاً بعدما بلغت الأماني السحاب في أعقاب الخطاب المؤثر الذي ألقاه بجامعة القاهرة في يونيو الفائت.

إذا افترضنا للحظة أن بوش الابن مازال يحكم في واشنطن، أو أن الثنائي ماكين-بالين فاز بانتخابات الرئاسة الفائتة، وراح يدير شؤون أميركا والعالم استناداً إلى رؤى ورغبات «المحافظين الجدد» الصدامية الخرقاء، وتخيلنا ما كان يمكن أن نكون عليه الآن، لأدركنا أن أوباما لا يستحق الحملة التي تُشن عليه اليوم، حتى إن لم يحقق لمن هُوس به قبل عام كل ما كان يرجوه من أحلام وأوهام.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top