آخر وطن صالح للاستعمال مرة واحدة فقط!

نشر في 01-01-2010
آخر تحديث 01-01-2010 | 00:01
 مسفر الدوسري العمر صالح للاستعمال مرة واحدة فقط، وهو بذلك كالأكواب الورقية والمناديل الورقية وبعض أنواع القفازات البلاستيكية، لكنه أكثر قيمة منها، لأنه يمكنك عند استعمال كوب ورقي أو منديل أن ترميه وتحصل على بديل له، بينما لا يمكنك فعل ذلك مع «كوب» العمر، وهذا ما يجعل هذه الحقيقة الواضحة والبسيطة إشكالية وجودية كبرى.

ولأن العمر إشكالية كبرى، يتبرّع الجميع محاولين حل هذه الإشكالية، وقد يبدو ذلك جيداً، لكن المشكلة أنهم يحاولون حل هذه الإشكالية عن طريق عمرك أنت لا أعمارهم هم!

الجميع يتناوب بالوصاية على تعليمك كيفية «استخدام» عمرك الاستخدام الأمثل، من مبدأ حرصهم عليك، لأنك لن تتمكن من الحصول على هذا العمر مرة أخرى ولا الحصول على بديل عنه في حال نفاده.

منذ أن تُخلق يتولى الوالدان حياكة ثوب عمرك، ويحاولان تفصيله بالشكل الذي يناسبهما، ثم يأتي بالطبع دور المدرسة، والمجتمع، ومن بعد ذلك يتولى الزوج أو الزوجة إكمال المهمة، ثم الأولاد، إلى أن يبلى هذا الثوب، ويُخلع عنك، ويلبسوك ثوب كفنك!

الجميع يفرضون أنفسهم جبراً ويساهمون في تصميم ثوب العمر الخاص بك، ويضعون لمساتهم عليه، لكي يبدو هذا الثوب متماشياً مع خطوط الموضة التي تُرضي ذائقتهم، يختارون لون هذا الثوب، ومقاسه، وطول أكمامه، وشكل أزاريره، وتطريزه، وحتى نوعية نسيجه!

هؤلاء الذين يشاركونك قسراً شكل ثوب عمرك وكأنهم سيشاركونك ارتداءه، لديهم ثياب أعمارهم الخاصة بهم، يستطيعون فعل ما يشاؤون بها، لكنهم بدافع خوفهم من ألّا تُحسن تفصيل ثوب عمرك يتصدون لهذه المهمة.

المشكلة أن هؤلاء الذين يفصّلون لك ثوب عمرك الخاص بك، لن يدفعوا ثمن أي خطأ قد يؤدي إلى تشويه هذا الثوب، بل سرعان ما يتبرأون من سوئه ويولّون الأدبار، ولن يتبقى سواك بهذا الثوب البشع، فإن بقيت مرتدياً له بدَوت كالأحمق أو كالمهرج الأبله، وإن نزعته بانت عورتك!

أعتقد أن ما يدفع الآخرين إلى المشاركة قسراً في صياغة عمر أشخاص آخرين، هو محاولتهم الالتفاف على حقيقة أن العمر يُهدى لكل فرد منا مرة واحدة فقط، هذه الحقيقة المفزعة تجعلنا نحاول استلاب أعمار أناس آخرين، اعتقاداً منا أن هذا سيزيد عدد الأعمار التي «نملكها»، وبذلك نقفز على تلك الحقيقة الوجودية الحادة، فالجميع يحاولون نهب عمر الجميع، الآباء يحاولون سرقة أعمار أبنائهم، وكذلك يفعل الأبناء بهم، الأحباب والأزواج والأصدقاء، يتبادلون سرقة أعمار بعضهم البعض، وطبعا السلطة المستبدة تسرق أعمار الجميع!

العمر في اعتقادي له خصوصية حساسة جداً، وله من الحميمية، ما يجعل التصرف به من قبل أيٍّ كان سوى مالكه محرماً.

العمر في نظري أكثر خصوصية من فرشاة الأسنان والملابس الداخلية، لا يحق سوى لشخص واحد فقط استعماله، فشراكة العمر كذبة!

ها نحن في بداية سنة جديدة، سنة تبدأ مسيرتها في عمر كل منا، لنحاول جميعا ألا يسرقها أحد منا ويصادرها من أعمارنا، أو أن يعيشها نيابة عنّا.

وكل عام والجميع سعيدون بما يملكون من أعمارهم، وهم المتصرفون الوحيدون بها، فهم لن يحصلوا عليها مرة أخرى.

back to top