«رواية هيلينه هيغيمان الأكثر مبيعاً مسروقة، اكتشف النقاد والقراء أن روايتها منقولة بالحرف الواحد من أعمال كتاب آخرين من دون أن تشير الكاتبة إلى ذلك، مما اضطر دار النشر (اولشتاين) إلى الاعتراف بهذه السرقة والاعتذار، ووضع الصفحات المسروقة في قائمة آخر الكتاب، وقد فجرت هذه الفضيحة نقاشا جديدا في ألمانيا بشأن السرقات والاستلهام في الأدب، وكتبت مقالات تقطع بنهاية عمر الكاتب المُلهم الذي يختلق كل شيء».

Ad

هذا ما جاء في جريدة الحياة عن طريق مراسلها في بون سمير رجب، فهل صحيح أن عصر الكاتب المُلهم، الذي يختلق كل شيء، قد ولى وانتهى، ولن يكون هناك كتاب عظماء مثل كافكا، جيمس جويس، فولكنر، جين اوستن، مارسيل بروست، فرجينيا ولف وغيرهم؟

هؤلاء الذين خلقوا كل شيء من ألفه إلى يائه، هل فعلا انتهوا وانتهى زمن الإبداع الصافي معهم، وهل بتنا في عالم استهلاكي لاهث سريع النسيان، عابر بوجباته السريعة وبثقافته المبصوقة كيف ما كان، والمكتوبة بمعلومات الإنترنت المتدفقة بفوران أسرع من ومضة في كبسة زر.

هل هذا يعني الاستسهال والسرقة عيني عينك وفي وضح النهار، والسطو المباح على بحر الإنترنت الفائض بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال، مادام هذا العصر لن يحظى فيه المرء المتميز بأكثر من لحظة تكريم، تحيله من بعدها إلى أرشيف الإهمال وغبار النسيان، ليهرول إلى من بعده وهكذا، فهل ما سبق يبيح ويجيز سرقة الجاهز والحاضر في علبته، مادام الزمن لن يتوقف له، وإذا بالمصادفة توقف فلن يكون هذا التوقف لأكثر من ومضة؟

إذا كانت الإجابة بنعم فهذه هي الكارثة التي ستقضي على الإبداع المبتكر الحقيقي، الإبداع البشري الآتي من ينابيعه الأصلية، وسنصل إلى إبداع، هذا إذا كنا سنسميه إبداعا أو نطلق عليه أي صفة أخرى، مثل ما هو حاصل الآن مع الأغنية التي فقدت هويتها وبريقها، فلا ندري إن كانت طقطوقة، أو إعلان، أو دعاية، كلها دربكة وقعقعة وضجة تنتهي بأسرع مما بدأت فيه، فقاعة سائرة لحتفها، وما جرى للأغنية أيضا جرف معه الأفلام المُعلمة والمميزة في جودتها وفي حضورها الراسخ، وهذا ما يجري حاله على المسرح أيضا، وما ينعكس بدوره على كل الفنون.

فهل حقيقي أننا بتنا في زمن رخصنا فيه قيمة كل شيء بما فيه إنسانيتنا وإبداعنا الإنساني؟

وهذا الوضع انعكس على ثقافتنا العربية أكثر مما انعكس على غيرها، فنحن في التقليد والسطو أجدر بكثير من غيرنا، فالإبداع عندنا قد نضبت ينابيعه... منذ متى .....؟....... لا أتذكر.

أتمنى من كل قلبي أن تقف عمليات السطو هذه من كل المجالات الثقافية الفنية، وأن يحاول كل واحد فينا أن يطلع على نتاج زملائه، لا ليسطو عليها بل ليتحاشى الوقوع في التماثل أو التشابه في الإنتاج الإبداعي، وأن يعد على أصابعه من واحد إلى عشرة قبل أن يشرع في السطو على أفكار غيره، لأنه هناك بالفعل من يدرك ومن يراقب ويحتسب ويكتشف حقيقة المبدع الحقيقي، ومن هو مستلف الإبداع.