ما أنا متأكد ومتيقن منه تماما... أننا لسنا بشعب غبي، ولا حكومتنا كذلك، مع أن استمرار مشكلاتنا التافهة مقارنة بمشكلات باقي شعوب الأرض دون إيجاد حلول لها يوحي بعكس ذلك! لكن هذا غير صحيح! فلدينا عقول قادرة على حل أعقد المشكلات وأصعبها، لكن عيبها المزاجية، فهي تعمل حينما نشتهي أن تعمل فقط!

Ad

ولنأخذ على سبيل المثال مشكلة الازدحام المروري والحوادث اليومية الناتجة عن الكثافة العالية وغير المعقولة للسيارات في طرقنا، إنها إحدى المشكلات التي صنعناها شعبا وحكومة ولا نملك رغبة صادقة في حلها، رغم برك الدماء اليومية التي تراها أعيننا، ورائحة الموت التي تزكم أنوفنا! سيارات حديثة تتحول إلى هياكل حديدية مضغوطة فقدت كل معالم وشكل السيارة، ولولا الإطارات في أسفلها- وأعلاها أحيانا- لظننتها شيئا آخر، ولا تسأل عمن انحشر وهرست ضلوعه داخلها، شاب في ريعان شبابه، وطفل في عمر الزهور، وأب أو أم ودعا الدنيا تاركين خلفهم أيتاما يصارعون الحياة دونهم، والسبب مستهتر طائش وحكومة نائمة!

نشرت جريدة «القبس» تاريخ 7-3-2010 تقريرا بعنوان «الاستراتيجية الوطنية للمرور والنقل» جاء فيه ما يلي: بالرغم من قلة أعداد المواطنين فإن دولة الكويت تعاني كثيرا من وفاة حوالي 200 كويتي وإصابة 6 آلاف من المواطنين أيضاً سنوياً من جراء حوادث الطرق، إضافة إلى تأثر أكثر من 25 ألف كويتي لهم علاقات قربى بمتضررين من حوادث الطرق... وتحتل الكويت المرتبة الأولى عالميا بالنسبة لمعدل وفيات وإصابات حوادث الطرق، «لكل 100 ألف شخص 10 آلاف سيارة»، كما أن طرق الكويت تحتل المرتبة الرابعة عالميا بالنسبة للازدحام بالمركبات مما يزيد أعداد الحوادث!

وتخبرنا الإحصاءات المرعبة بأن عدد حالات الوفاة نتيجة الحوادث المرورية قد وصل في عام 2008 إلى 410 وفيات، أما في عام 2009 فكانت الحصيلة 408 وفيات، غير أن هذا العام يبدو أنه سيكون الأكثر شراسة وفتكا بمستخدمي الطرق، فقد بشرنا قبل أيام اللواء محمود الدوسري أن معدلات الوفيات خلال الشهرين الماضيين ونصف الشهر الجاري قد تزايدت بشكل مخيف، حيث بلغ عدد الوفيات 94 حالة!

انتبهوا نحن نتحدث هنا عن الوفيات فقط، لا نتكلم عن الإعاقات التي سيكون بالتأكيد ضحاياها أضعاف عدد الوفيات، فإلى متى؟ وإلى أين نحن سائرون؟ إنها مسألة وقت صدقوني، فكلنا نقف في طابور الموت والإعاقة ننتظر نصيبنا من هذه المشكلة التي تركناها تتفاقم يوما بعد يوم دون أن نلتفت بشكل حقيقي إليها، ونحاول إيجاد الحلول الكفيلة بالحد من أضرارها، والجميع يتحمل جزءا من المسؤولية فيما وصلت إليه الأمور، الجميع: قائدو السيارات الذين لا يلتزمون بقوانين المرور، والإدارة العامة للمرور التي تمنح كل من هب ودب- باستثناءات لا تنتهي- رخص القيادة، ووزارة الأشغال التي تنتظر سقوط مئة قتيل في وصلة ما حتى تقرر توسعتها، وألف اختناق مروري في طريق بحارتين حتى تضيف له حارة أخرى بعد أن تمضي عامين وهي تخطط للمشروع، وثلاثة أعوام لتنفذه، ووزارة التربية التي تصر على أن يخرج الطلبة جميعهم الابتدائي والمتوسط والثانوي في أوقات متقاربة دون سبب مقنع، والبلدية التي تمنح رخص البناء لمجمعات سكنية وتجارية دون أن تشترط وجود مواقف للسيارات فيها، ووزارة الإسكان التي تهوى وضع جميع المدارس في طريق واحد حتى يتكدس بالسيارات والطلبة، وخذ حوادث دهس وتصادم لها أول وليس لها آخر!

والسؤال: هل حل هذه المشكلة صعب جدا ويحتاج إلى وجود عباقرة في كل مكان؟! وهل التفكير بتقنين إعطاء الرخص للمواطنين والمستحقين من المقيمين فقط يحتاج إلى عبقري في «الداخلية»؟ وهل التفكير بتغيير مواعيد المدارس وجعل فارق 20 دقيقة بين مرحلة دراسية وأخرى يحتاج إلى عبقري في "التربية"؟ وهل التفكير بإلزام كل صاحب عمارة جديدة بتوفير مواقف لسكان عمارته يحتاج إلى عبقري في "البلدية"؟ وهل التفكير بهندسة الطرق لخمسين سنة قادمة وحساب الزيادة السكانية المستقبلية يحتاج إلى عبقري في "الأشغال"؟!

لا طبعا... لا يحتاج الأمر إلى عبقرية من أي نوع، وبإمكان الجميع إيجاد حلول سهلة وبسيطة لهذه المشكلة وغيرها بقليل من شحذ الذهن، لكن المشكلة أننا لا نريد أن نشغل أذهاننا بمسائل تافهة كهذه، «يعني شنو يموت اثنين ولا ثلاثة كل يوم شي عادي جدا»، المهم هو... هل سيشارك منتخب السيدات في البطولات الخارجية أم لا؟! فهذا هو ما يشغل أذهاننا حاليا!