أحسبنا لسنا بحاجة إلى مثل هذه التقارير الفضائحية لنعترف بوجود مافيا العمالة، وما ترتكبه من ممارسات إجرامية باتت روائحها الكريهة تزكم أنوف الشرفاء المتعاطفين مع حشود العمالة الوافدة المستباحة حقوقها جهاراً نهاراً على طريقة «على عينك ياتاجر».

Ad

• على الرغم من السمعة السيئة لقانون «الكفيل» السيئ الذكر، فإن كل المحاولات التي سعت إلى إلغائه، واستبداله بآخر يتسم بالعدالة، أجهضت من جراء نفوذ وسطوة مافيا العمالة، وحضورها الشديد المديد في الوزارات المعنية بالعمل والإقامة وغيرها، كما تبدى ذلك في الفضائح التي كشفتها الصحافة الوطنية طوال العقدين الأخيرين.

وقد صرحت الحكومة بأنها في صدد إلغاء نظام «الكفيل» تأسيا بالقرار الإنساني الحكيم للمملكة البحرينية، ولكن «انطر ياحمار» على قولة المثل الشعبي! لأن يوم الحكومة الرشيدة بسنة والسنة بعقد كامل! ومن هنا فإن الشغيلة البنغال الذين صار لهم «أزيد» من تسعة شهور دون أن يستلموا أجورهم، يبدو أن انتظارهم سيطول كثيراً جداً كانتظار الحمار للربيع في الأرض اليباب، الذي لا ولن يأتي أبداً!لا أقول ما ذهبت إليه ظناً آثماً وتجنياً مرسلا لأن أخبار جرائم مافيا العمالة تتوالى في صفحات الحوادث بصورة شبه يومية ولله الحمد!

ولذا فإنها ليست بحاجة إلى تدليل تفضح سوءة النظام القبيحة، والتي تعد سبة في جبين دولة الكويت، وبمعيتها دول مجلس التعاون الخليجي، والسبة في هذا السياق ليست مجازية مزاجية بل إنها ترد دوما في تقارير المؤسسات المدنية والأممية المعنية بحقوق الإنسان ومحاربة الاتجار بخلق المظلومين في الأرض اليعربية النفطية! وأحسبنا لسنا بحاجة إلى مثل هذه التقارير الفضائحية لنعترف بوجود مافيا العمالة، وما ترتكبه من ممارسات إجرامية باتت روائحها الكريهة تزكم أنوف الشرفاء المتعاطفين مع حشود العمالة الوافدة المستباحة حقوقها جهاراً نهاراً على طريقة «على عينك ياتاجر» وهي ممارسة تستفز طوب الأرض، لكن معمار مجلس الوزراء، ومجلس الأمة يبدو أنهما مشيدان من صخر جلمود لا يهتز البتة لمظاليم بني نفط!

• وكأننا اعتدنا وألفنا وجود الفساد والظلم وكل أشكال القبح في حياتنا اليومية، بحيث لم يعد يؤثر في القيمين منا المشهد المأساوي لجماهير الشغيلة الغفيرة المحتجة على سلب حقوقها المشروعة، غير عابئين بتبعات القنبلة الاجتماعية الموقوتة عند انفجارها.

يقول الشاعر الفذ محمود درويش رحمه الله:

«أنا لا أكره الناس ولا أسطو على أحد،

ولكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي،

حذار... حذار من جوعي ومن غضبي».

والعصابة المافياوية لا تقرأ الشعر ولا التاريخ؛ وما ينطويان عليه من حكمة ودرس وموعظة، كما أنها لا تحفل مطلقا بسمعة البلد وصيته في مجال حقوق الإنسان، الأمر الذي يستوجب أن يكون إلغاء الكفيل بقانون ضرورة يستبق انفجار القنبلة، وينأى به عن الحلول الترقيعية إياها التي تهرب منها المافيا من الباب، لتدخل ثانية من النافذة! ذلك أننا ألفنا مجابهة التحديات بهبة حماسية آنية ترقيعية تعالج الأعراض لا الأمراض ذاتها، كأن نعمد إلى تسفير العمال البنغال واستبدالهم بشغيلة من جنوب شرق آسيا مثلا بدعوى أن الأولين «مشاغبون» ونزقون ويتسمون بصفات غير سوية.

وهذا المنطق المتاهفت الطافح بالعبقرية يشبه فعل من يسعى إلى حل مشاكل ازدحام وحوادث المرور بقرار و»فرمان همايوني» يقضي بمنع مرور المشاة والمركبات والمطايا الحيوانية!

وإلى حين تجلي قانون الضرورة بشأن إلغاء الكفيل السيئ الذكر إياه، وحضوره فعلا ينضح بالعدل وينكأ على فقه العلاقة بين رب العمل والشغيلة، نتمنى على إخوتنا الروائيين اقتحام عالم المهمشين المظلومين في ديار الخليج العربية النفطية، لأنه فضاء روائي بكر طازج يبحث عن مؤلف، لظني أن الرواية ستصدر قبل إلغاء ممارسات الكفيل اللاإنسانية.

وأحسبني لا أغالي إذا أشرت إلى أن الرواية ستكتب نفسها، لأن دراما الواقع باتت تنافس خيال الكاتب وشطحه وسرده وحدسه واستشرافه! السؤال: من يعلق الجرس أولا: كتّاب الرواية المأمولة؟ أم صاغة قانون الضرورة المأمول؟!