الطفلة الإرهابية مينا

نشر في 09-02-2010
آخر تحديث 09-02-2010 | 00:01
 د. صلاح الفضلي الطفلة الباكستانية مينا التي تبلغ من العمر 13 عاماً شاء القدر أن تولد في عائلة منتمية لحركة "طالبان" باكستان، فأبوها وأخوها من العناصر الفاعلة في هذه الحركة، وقد مارسا عليها ضغوطاً كبيرة لكي تصبح انتحارية. تروي مينا قصتها- التي ذكرتها لمراسلة الـ"بي بي سي" في باكستان- بالقول إن أباها وأخاها قالا لها "إذا فعلت ذلك (التفجير الانتحاري) ستذهبين إلى الجنة قبلنا بوقت طويل"، وأنها كانت ترد عليهما "لماذا لا تقولون لي إنني سأذهب إلى جهنم قبلكم بوقت طويل لأن مسلمين كثيرين سيموتون؟". وتتابع مينا القول بأنهما أخذا يضربانها عندما أصرت على رفض طلبهما، وحسب رواية مينا، فقد ربط أبوها وأخوها قنبلة بجسد أختها ناهيدا التي تصغرها سناً لتقوم بتفجير نفسها في أحد الأماكن، وتقول مينا إن أختها أخذت تستنجد بأمها التي ركضت إليها واحتضنتها، وتكمل مينا بأن أباها وأخاها أخذا يضربان أمها ويقولان لها "لماذا تصرفين البنت عن مهمتها؟"، وتؤكد مينا أن أخاها متورط في تفجير كبير وقع عام 2009، وأدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، مضيفة أن مناقشة تفاصيل الهجوم تمت في منزلهم. ثم تروي الطفلة مينا نهاية معاناتها مع أبيها وأخيها، حيث هبطت في يوم من منزلهم الكائن في قمة جبل حتى تعيد شاة فرت منها، وبينما كانت تطارد الشاة رأت مروحية "تحوم في المنطقة" وتضيف: "عندما التفت إلى الخلف، كل ما استطعت أن أراه كان الكثير من الدخان المتصاعد، لقد تحول منزلي إلى ركام". وتقول مينا إنها لا تعلم من مات ومن بقي على قيد الحياة من أهلها، وفي ختام حديثها تقول مينا "لو عثر عليّ أخي فسأقتله وأقتل نفسي بالسم".

قصة الطفلة الباكستانية مينا وتوظيف الأطفال والنساء في عمليات انتحارية ليست سوى نموذج للأساليب الشيطانية التي يتبعها المتطرفون المنتمون إلى تيار السلفية الجهادية، وهو نموذج لا يقتصر على باكستان فحسب، بل هو نموذج تكرر تنفيذه في الأماكن التي ينشط فيها هؤلاء المتطرفون في الصومال والعراق وأفغانستان والأردن ومصر والمغرب والسعودية ولبنان، وهذا النموذج نفسه الذي استخدمه هؤلاء في تفجيرات لندن ومدريد.

إذا تتبعنا ظاهرة العمليات الانتحارية من خلال تفخيخ الأجساد نجد أنها ابتدأت في العراق عام 2005، ومن ثم انتقل النموذج إلى أفغانستان عام 2007، وامتد بعد ذلك إلى بقية الدول التي توجد فيها خلايا "القاعدة" والتيار السلفي الجهادي، وأصبح هو النموذج المفضل لهم في القيام بعملياتهم، وفي العراق وحده تم خلال السنوات من 2004- 2009 تنفيذ أكثر من 1500 عملية انتحارية من بينها 80 عملية نفذتها نساء أي ما يقرب من 5% من مجمل العمليات، وهي الموجة الثالثة من العمليات الانتحارية، حيث كان العرب غير العراقيين يقومون بالعمليات الانتحارية في المرحلة الأولى، ثم العراقيون من الرجال في المرحلة الثانية، ثم جاء الدور على النساء والأطفال. باكستان تأتي في المرتبة الثانية من حيث العمليات الانتحارية بـ150 عملية انتحارية، وتأتي أفغانستان في المرتبة الثالثة بـ120 عملية انتحارية.

قصة الطفلة مينا وغيرها من القصص الكثيرة المشابهة تدل على ثقافة الانتحار التي يتبناها تيار السلفية الجهادية، فإذا كان قتل الأبرياء بالتفجيرات الانتحارية جريمة بشعة، فإن توظيف الأطفال والنساء للقيام بهذه العمليات يجسد البشاعة ذاتها، ويوضح أي فكر متخلف يحمله هؤلاء، وأي مصير يمكن أن يلحق بالمجتمعات التي ينتشر فيها هذا الفكر. من أجل ذلك يجب التصدي لهذا الفكر بكل الطرق الممكنة، وإلا فإن ما ينتظرنا ليس بعيدا عن مصير الطفلة مينا وأختها إذا تمكن هذا الفكر من الانتشار.

back to top