كلمة•: الصحافة الكويتية... بين المساءلة والمسؤولية
في كلمته السامية بمناسبة العشر الأواخر من رمضان، ركز صاحب السمو الأمير على مسؤولية الإعلام ودوره الوطني. وفي لقائه مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية، ركز سمو رئيس مجلس الوزراء على الدور الأخلاقي للإعلام محذراً من انحرافه.والخطاب السامي واللقاء الزاخر، يثيران لدى الصحافة الكويتية شؤوناً كثيرة وشجوناً أكثر، أرجو أن نلفت - في هذه العجالة - الانتباه إليها والحوار حولها.
وإذا كان لا خلاف على المبادئ الأساسية والتوجيهات التي تضع وسائل الإعلام أمام مسؤولياتها الوطنية وتنبهها إلى خطورة دورها الاجتماعي والأخلاقي، فإن نظرة فاحصة وشاملة الى واقع الإعلام الكويتي يمكنها أن تكشف بسرعة عن العديد من المشاكل البنيوية التي لابد من دراستها بعمق، والتعامل معها بسرعة، لأن النصائح وحدها مهما خلصت والنيات مهما صدقت لن تجدي معها نفعاً ما لم تقترن بالعمل والقدوة والقرار.وما سنقوله هنا قد يعتبره البعض خروجاً عن "التضامن المهني"، قد يعرضنا - بالتالي - للعتب أواللوم وربما لما هو أبعد من ذلك من قبل الصحف الزميلة. ولكننا لا ننطلق من قاعدة "انصر أخاك" بل نعتمد مبدأ "اصدق مع أخيك". فالمصارحة المنبثقة من المحبة والقائمة على الغيرة الوطنية والمهنية أجدى بكثير من محاولة حجب شمس الحقيقة بغربال المجاملة، حتى لو كانت هذه الحقيقة تكشف عيوبنا وتدين مواقفنا.1 – إن الإعلام في الكويت أصبح – وللأسف الشديد – يهتم بإثارة الجدل قبل أن يهتم بصدق الخبر وتحريك الفكر. وأصبح أداة لتحقيق أهداف شخصية وخدمة طوائف مذهبية أو مصالح قبلية وأسرية بدل أن يسعى إلى المساهمة في خلق مناخ سياسي وفكري واجتماعي وديمقراطي صحيح وسليم.2 – إن الإعلام الكويتي يعاني مشكلتين تتداخلان وتتفرع منهما عناصر تفرغه من مسؤوليته الوطنية ومحتواه المفيد، وهما الانغلاق والاستهلاك.ونحن إذ نقيم صحافتنا فإننا لا نقارنها بنماذج الصحف الصفراء أو تلك الهاذرة والهادفة إلى مجرد الطرافة والإضحاك، ولا بتلك التي تحمل المباخر وتسير قبل السلطة وأصحابها منادية "وحدوه" أو تسير وراء السلطة وأصحابها منادية "اتبعوه"، بل نقارنها بأرقى ما يمتلكه العالم العربي من وسائل إعلام وبالصحافة العالمية الرفيعة التي تنتج مواد صحافية محترمة بكلفة مالية أقل وبظروف اقتصادية أصعب. فَبِرَبِّكم أي صحافة حديثة تلك التي تضع تصريحاً لنائب في موسم عطلة الصيف عنواناً رئيساً لصفحتها الأولى، وتغفل حدثاً عالمياً تتنادى له زعامات الدول المتقدمة مجتمعة.وأي صحافة مسؤولة تلك التي يخطف طفح المجاري أو موعد بدء الدراسة كامل اهتمامها مدة تزيد على أسبوعين ولا تنتبه إلى ما طفح به الكيل من تأجيل للقرار وتسويف في تفسيره. وأي صحافة مسؤولة تلك التي لم تخرج علينا حتى الآن بتحقيق متكامل عن الحريق الهائل الذي نشب في خاصرة المنطقة فضلاً عن الجمر الذي لا يكاد يخفيه الرماد والذي يطوق الخليج كلّه!إن هذا الإغراق في المحلية لدولة منكشفة على كل الرياح الإقليمية والدولية، إنما يدل على ضعف كبير في البنية والهيكل، أو على جهل كبير بأصول العمل، أو - وهذا هو الأخطر - على تمترس الإعلام وراء مصلحة العائلة وفزعة القبيلة وعمامة الطائفة. وفي جميع الأحوال فإن الإعلام يمارِس على الناس صلاحيات خارج التفويض الذي أعطي له في الأساس، إذ إنه يقترب من دكتاتورية التلقين، ويبتعد عن ديمقراطية فتح المجال للتفكير. وكأن الإعلام الكويتي يمارس وصاية على المواطن، مثله مثل كل الأجهزة العاملة في البلاد غيرَ آبهٍ لخصوصية وظيفته، ولا لواجبه في تحمُّل عبء مسؤوليةٍ تحدِّدُ مسار الحياة العامة ومستقبل الأجيال.3 - لا ينفصل الانغلاق عن النزعة المبالغة في الاستهلاك؛ فمع قناعتنا بوجود آليات اقتصادية معروفة لعمل أي مؤسسة، ومنها مؤسسات الإعلام، فإن الإفراط في النزعة إلى تحقيق الأرباح بصرف النظر عن أخلاقية الوسيلة يُسخِّف المهنة ويجعلها رهينة لسلطة الإعلان. ولا حرية لصحافة أو لإعلام يتنازل عن رسالته تحت ضغط الإعلان، ولاسيما في بلد صغير كالكويت تشكل مجموعات عائلية واستثمارية قليلة جداً العمود الفقري للإعلان فيه. 4 - لن نتحدث عن عدم الدقة في نقل الأخبار، ولا عن السجالات المَرضية التي تعكسها صحافة «القيل والقال» ولا عن الحملات والتفاهات في بعض الصحف الإلكترونية الصفراء، لكننا نحذِّر الجميع من «أوهام الحرية» التي يدّعونها، فكلنا نعلم أين سقف المؤسسات ودرجة انحناءة رأس كل واحدة منها. فالسقف السياسي محدود، ويزيد الطين بلةً أن هامش الحرية يُستخدم خطأً ويعطي الحجة لتقليصه يوماً بعد يوم.5 – فوق هذا كله وقبله، أصبحت أقلام الصحافة وصور التلفزيون وحتى مفاتيح المدونات تتناول بسهولة ودون أي اكتراث كرامات الناس بحق حيناً ودون حق أحياناً، ضمن إطار نظرية الشك والمؤامرة، أو بحجة الشفافية ومحاربة الفساد. ومازال التشريع الكويتي في هذا الصدد قاصرا مقصراً.نحن في حال إعلامية لا نُحسَد عليها، ولن تنفع فيها الدعوات الخيّرة إلى الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، لأن الأعطال أساسية وجوهرية وجزء من أزمتنا العامة في كل مجال. أما اقتراح «ميثاق شرف» تلتزم به وسائل الإعلام فيذكّر بـ«أخلاق القرية» التي اقترحها الرئيس السادات، والتي حاول أن يعوض فيها ثغرات الدستور وضعف هيبة القانون أو يذكرنا بقانون الاستثمار الاجنبي، الذي لا نجده إلا في البلاد التي تخفق في اجتذاب هذا الاستثمارلانحراف سياساتها الاقتصادية وتفشي الاحتكار والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص. و"ميثاق الشرف" في النهاية ليس سوى تعبير عن قصور قانوني وقصور في الصحافة ولا حاجة إليه في بلد ديمقراطي يتمتع بدستور وقضاء.ما تقدم يمثل بعض التشوهات العميقة التي يعانيها واقعنا الإعلامي، والتي جعلت السلطة الرابعة في الكويت بعيدة جداً عن رسالتها في الرقابة والتوجيه والإصلاح وتعميق الوحدة الوطنية والديمقراطية. سلطة أشبه في قصورها وتقصيرها، وفي ضياع هويتها وبوصلتها، بواقع السلطتين التشريعية والتنفيذية.