في خضم حالة الإحباط وضياع البوصلة تخرج علينا بين الفينة والأخرى مقولات على شاكلة «لو كان عبدالله السالم يدرك ما ستؤول إليه الأوضاع ما كان ليختار إصدار الدستور» وتنسحب المقولة ذاتها على الآباء المؤسسين للدستور بنفس المعنى. وحيث إنني هنا لا يعنيني من أطلق هذه المقولات أو نواياه، فالأهم هو الفكرة وما وراءها.

Ad

مقولة من هذا النوع ليست إلا كلاماً مرسلاً، لا دليل عليه، وهو انعكاس لحالة الإحباط العامة السائدة في المجتمع، وهي في المجمل تنم عن إسقاطات على واقع غير الوقع، لم يكن له أن يسير إلا بالطريقة التي سار بها، وأصبح تاريخاً جميلاً لا يمكن لأيٍّ كان أن يلغيه. أما إن كان من يطلق مثل هذه المقولات يتصور أن الخروج من مأزقنا هو في التخلي عن الدستور فهو واهم؛ فالحالة الشائهة التي نعيشها لم تكن إلا نتاجاً لرغبة لدى البعض في التخلي عن الدستور منذ صدوره، وليست سبباً للتدهور الراهن. والحالة المتردية التي يمر بها المجتمع هي نتيجة للمحاولات المستمرة للتعدي على الدستور وتفريغه وابتساره وتشويهه، ومن ثم تحويله إلى النموذج المعروف بالمجلس الوطني، والذي كان فأل شؤم علينا جميعاً، فما إن تأسس حتى تم غزو الكويت في أقل من شهرين.

قد يتصور البعض، وهذا حقه، أن قراراً كقرار التحول الديمقراطي، كان من «عنديات» الشيخ عبدالله السالم وحده، وأن المسألة لم تكن إلا «شوية» أفكار أو شوية ضغوط خارجية، وهي لو كانت كذلك فقط لكان من السهل جداً على مَن هم في السلطة من غير الراغبين في الديمقراطية أن يتخلصوا منها جملةً وتفصيلاً، والحق يقال؛ إنهم حاولوا عدة مرات، تارة بالتزوير، وتارة بالتدوير وتارة بالتجميد، فما تلبث الأمور إلا أن تعود إلى سابق عهدها.

في هذا الإطار، لدينا ثلاث تجارب، الأولى تزوير الانتخابات عام 1967، وتعطيل الدستور في 1976، ثم تعطيل الدستور مرة أخرى في 1986، والذي انتهى بالغزو عام 1990. والملاحظ أن لكل تجربة من الثلاث تفاصيل مختلفة وتباينات كبيرة سواء في مداخلها أو مخارجها، أي في الأسباب التي جاءت بها وبالأسباب التي أدت إلى العدول عنها.

من غير الإنصاف، لا للشيخ عبدالله السالم ولا للمؤسسين الأوائل، تصويرهم بهذه الصورة الساذجة المسطحة، ومن غير المقبول تصوير الحالة السياسية التي صدر بها الدستور، وكأنها حالة شاذة لم تأتِ في سياق متصل منذ تأسيس المجتمع الصغير المعروف بالكويت حتى يومنا هذا.

هناك العشرات من الأدلة التي توضح أن اختيار المجتمع الكويتي، بقيادة الشيخ عبدالله السالم والنخبة المحيطة به، للنهج الديمقراطي لم يكن مجرد شطحة، أو غلطة تاريخية، كما يحلو للبعض أن يسميها، بل جاء ضمن سياق، وبواكير معلنة ومعروفة، والتي سنسردها لاحقاً. بل إن الذي بات مؤكداً هو أن الحالة المتردية التي نعيشها ليست إلا نتيجةً لإصرار البعض على أن النهج التسلطي الأحادي هو الذي يصلح لإدارة البلاد، فما حصدنا من ذلك النهج إلا الخراب والدمار والتراجع.