لديّ شغف لا ينضب بالسياسة المحلية الأميركية، أهتم بتفاصيلها، وأقرأ مشاريع القوانين وأتابع الجدالات حولها وأحللها، أما في مواسم الانتخابات فأغدو من شدة شغفي كالطفل في مصنع حلويات، أراقب الاستطلاعات وتحركات المرشحين، وأهتم بالتفاصيل الداخلية للحملات الانتخابية، وكنت أحضر المهرجانات الخطابية أثناء وجودي هناك، ناهيك عن تقاذف الإيميلات مع الصديق جاسم القامس الذي يشاركني الشغف ذاته، لذلك لا يمكن أن أدع حدثاً تاريخياً كإقرار قانون الرعاية الصحية الأسبوع الماضي يمر دون أن أعلق عليه، إذ تحقق الإنجاز ختاماً لمسيرة بدأها الرئيس السابق ثيودور روزفلت قبل مئة عام تقريباً.

Ad

من أسباب شغفي وجود دورة سياسية منطقية وواضحة المعالم، تبدأ بوعد في الحملة الانتخابية، ثم انتخاب المرشح الأكثر إقناعاً، ثم اقتراح قانون للوفاء بالوعد، ثم حوار وجدل وتعديلات وتصويت، ثم تطبيق القانون وملامسته حياة الناس، ثم قياس تأثيره في الميزانية والدَين القومي والضرائب والاقتصاد الكلي، وتغيرات في تعامل السياسيين وجماعات الضغط ولوبي المصالح الخاصة مع المستجدات والجمهور، ثم العودة إلى الانتخابات وإصدار الحكم على المرشح العائد، فإن كان تأثير سياساته إيجابياً في حياة الناس كافؤوه بإعادة انتخابه، وإن كان تأثيرها سلبياً عاقبوه بانتخاب غيره، وتبدأ الدورة من جديد.

أستمتع بشغفي بينما أشفق على سياستنا المحلية، فهي بلا ملامح والمفاهيم فيها مخلوطة، فلا بأس إن احتد الصراع في أميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين لعام كامل، وهيمن على اهتمامات الناس والإعلام طالما كان صراعا بشأن قضايا تمس الناس، ولكن يحبط المرء هنا عندما يشهد قوانين مصيرية كالعمل وسوق المال والتنمية تمر بهدوء من دون شرح تبعاتها على الناس، بينما تستولي القضايا الشخصانية والاستجوابات الكيدية على اهتمام قادة الرأي والإعلام، ويبنى عليها الحكم في الانتخابات القادمة.

مشكلتنا أننا احترفنا تسييس العمل السياسي، وهنا أستعير القول المأثور للنائبة ؤوربما أكون الوحيد الذي يحاول أن يحسن فهمه ولا ينضم إلى فرقة «التطنز»، فهناك فرق بين العمل السياسي المقصود به فهم متطلبات إدارة البلد وإنجاز القوانين والحلول، وبين التسييس المقصود به الجدال لغرض الجدال لتسجيل الأهداف ضد الآخرين من دون إنجاز ما يخدم البلد.

وعودة إلى أميركا، فالنتيجة الساطعة بعد عام من الصراع هي دخول 30 مليون مواطن تحت غطاء الرعاية الصحية ومنع تعسف شركات التأمين الصحي ضدهم، بينما عندنا فإن نتيجة ستة استجوابات في تسعة أشهر هي… لا شيء، وقبل أن يقفز أحد ويُـخَوِّنني بأني مع هدر 5 ملايين دينار وضد الوحدة الوطنية، فلا مشكلة لدي في أن يكون هناك استجواب كل يوم، طالما عكست محاورُه دوافعَه، ونسّق مقدموه مع زملائهم لتحقيق الغاية المرجوة منه (عمل سياسي)، بدلاً من بلطجتهم والجري إلى باب الأمين العام ليسبق كل منهم الآخر (تسييس).