في حضرة ملوك الجوال


نشر في 18-11-2009
آخر تحديث 18-11-2009 | 00:01
 خلف الحربي في الندوة التلفزيونية التي نظمتها قناة «العربية» حول مستقبل الاتصالات وجدت نفسي فجأة أمام رؤساء أكبر شركات الاتصالات في العالم العربي، كل واحد من هؤلاء الرجال الموجودين على المنصة يدير عمليات بمليارات الدولارات ويوجه أنهار الكلام في كل اتجاه، قبل أن تدور الكاميرا قلت لنفسي إنه لو نجحت عصابة منظمة في اقتحام هذه القاعة واختطاف من فيها، لحصلت بكل سهولة على فدية مقدارها عشرة ملايين بطاقة مكالمات مسبقة الدفع مع ضمان خدمة الوسائط المجانية مدى الحياة!

طلبت مديرة الندوة من الحضور إغلاق أجهزة الجوال قبل بداية التصوير، خمّنت أن رؤساء الشركات لم يرتاحوا لهذا الطلب الذي سيقلص أرباحهم، ولكنها مفارقات الحياة حيث لا يمكن سماع أصواتهم بوضوح دون أن تتوقف أجهزة الجوال عن العمل.

دارت الكاميرا... وكان رؤساء الشركات خير من يعرف أن قيمة الكلمات مرتبطة بالزمن الذي يستهلكه الإنسان في تركيبها، لذلك جاءت عباراتهم واضحة ومركزة وخالية من المحسنات البديعية، وكانت الفكرة الأساسية تدور حول الحدود التي يمكن أن تتوقف عندها شركات الاتصالات بعد أن تداخلت مهماتها مع وسائل الإعلام وفضاءات الإنترنت والخدمات البنكية، في وقت تتزايد فيه التوقعات بأن يصبح الجوال هو الوسيلة الرئيسة التي نتلقى من خلالها الأخبار، ونتابع عبرها مباريات كرة القدم، ونسدد عن طريقها فاتورة «السوبر ماركت»!

لقد استحوذت شركة «اتصالات» الإماراتية أخيراً على مؤسسة إعلامية كبرى، وبرر رئيسها خالد الكاف هذه الخطوة بإدراك شركته أن المحتوى الإعلامي أصبح خدمة مطلوبة بقوة من قبل المشتركين، بينما تقدمت شركة «موبينيل» بطلب للترخيص لها من أجل القيام بخدمات مصرفية بعدما أدركت أنها تدير بشكل أو بآخر حسابات 24 مليون مشترك بصورة يومية، أما شركة «زين» فهي تفضل التركيز على صناعتها الأساسية، حيث نصح رئيسها الدكتور سعد البراك زملاءه بعدم إضاعة الجهود في النشاطات الجانبية، مشيراً إلى أن شركة توزيع البريد التي تمتلك عدداً كبيراً من السيارات لا تستطيع استغلال سياراتها في تقديم خدمة إضافية لإسعاف المرضى! بينما قال رئيس شركة «عراقنا» إن شركته تدفع فاتورة باهظة لحراسة مولداتها الكهربائية وأبراجها المنتشرة في أنحاء العراق.

انتهت الندوة وأعاد الحضور تشغيل جوالاتهم وبدؤوا بالرد على الرسائل والاتصالات الواردة، فاستعادت الشركات الأرباح التي جمدتها مؤقتاً حتى ينتهي رؤساؤها من الحديث عن المستقبل والتخطيط للاستحواذ على الأندية الرياضية والصحف والبنوك، وأشفقت على حالنا نحن معشر المستهلكين بعد أن تلقيت اتصالا من صديق موجود في القاعة ذاتها كان يسألني عبر اتصال دولي: «وينك؟... ما أشوفك!»

* كاتب سعودي

back to top