يتشابه المحور الرئيسي الذي تنطلق منه الأحداث الرئيسية في رواية الأديب ياسين رفاعية الأخيرة «أهداب»، مع الرواية الأخيرة أيضاً للأديب رشيد الضعيف «اوكي مع السلامة»، فالروايتان تتناولان موضوع غرام الرجل المسن بالفتاة الصغيرة السن، ومشكلة الفارق العمري الكبير في ما بينهما.

Ad

وبالرغم من تشابه موضوع الكتابة، الذي هو حق مشروع في حالة هذه التجربة، لأنها تجربة إنسانية يتعرض لها عدد كبير من الرجال، كان هناك تعامل مختلف تماما في تناول كل من الروايتين لها، فواقع التجربة العاطفية والتعامل معها يختلف من واحد لآخر، لذا نجد أن التشابه في الموضوع ليس هو المهم، لأن الأهم هو كيفية تناول الأحداث من منظار تجربة ذات إحساس مختلف، وقد كتب الكثير عن هذه التجربة، وعالجتها السينما العالمية والعربية في أفلام كثيرة، لعل أهمها وأشهرها فيلم «لوليتا»، ولن تقف الكتابة عنها عند هذا الحد، طالما أنها منتشرة إلى هذا الحد، وطالما أن وقوع الرجال الكبار في السن سهل إلى هذا الحد.

لن أتناول رواية الأديب رشيد الضعيف في هذه المقالة، وسوف أعود إليها في مقال لاحق، وسأكتب عن رواية الأديب ياسين رفاعية «أهداب» التي هي رواية حقيقية بشهادة كاتبها واعترافه، وبوجود بطلتها الحقيقية.

رواية أهداب، وهو الاسم الحقيقي للبطلة أيضا، هي حكاية شفافة حزينة، تعبر الروح وتخترق القلب بصدقها الصادم بعفويته، وبعنفوان صراحتها المعراة للصميم، والكاشفة لكل التفاصيل ولأدق المشاعر التي تنتاب رجلا في السبعين من عمره تجاه مراهقة أو صبية في السابعة عشرة من عمرها، إنها قصة لوليتا عربية، وأحاسيس شيخ في السبعين من عمره يتساقط ورقة... ورقة على جسدها النافر، والجامح، والمخبول في زهو صباه، فكيف يضبط ساعته المشيرة إلى الزوال، مع ساعتها الراكضة نحو فوران الجسد وطوفان طيشه؟

إنها ساعة الضلال... حين ينفلت العقل من محبسه ويجن مثل قنبلة في يد طفل يعبث بصمام أمانها. هذه الرواية كشفت لي عن حقيقة مشاعر كبار السن، حين يقعون في حب الصغيرات، وكيفية تعاطيهم مع أحاسيسهم الجنسية، وكيف يتعاملون مع جسد الفتاة الصغيرة على أنه نعمة أو هدية أو تحفة، أتحفهم بها الله في أواخر العمر، فيحسنون التعامل معها وتقدير كل تفاصيلها وكل زواياها التي ربما لا يلتفت إليها الشباب في لهفة التهامهم لها، ولكنها في رأيي هي نعمة مؤذية تقود إلى الدمار والهلاك، لذا أتمنى من كل كبير في السن أن يقرأ هذه الرواية، ليقرر بعدها إن كان ما زال يرغب في أن يعيش تجربة مهلكة مثل هذه التجربة، ومدمرة في الوقت ذاته. رواية أهداب من أجمل ما كتب الأديب ياسين رفاعية، متميزة بصدقها وألمها الرهيف العابر على حد السكين، وهذه مقتطفات منها:

* ولتتركني، شئت أم أبيت بعد ذلك في غرفة مرسمي الوعرة المظلمة عندما لا تكون موجودة فيها، ولأعلك نفسي كما تعلك الإبل ريقها خوفا من الظمأ.

* وتذكرني وهي في شبابها اليافع، أن أُصبح على ما أنا عليه، ظلا عابرا فوق جدار الموت.

* للنجاة من وطأة هذا الحب غير المتكافئ، بل الحب الجارح للكبرياء، مهما تعاميت عن ذلك.

* هي العمر المقبل على الحياة، وأنا النهاية على عكاز الزمن.

* كان مصيري كله يتوقف عند كلمة واحدة: بتركك. كلمة كانت تُفزعني إذا تلفظت بها.