التنافس بين الحكومة والبرلمان على كسب الثقة الشعبية وترجمة طموحات الناس وعلاج مشاكلهم أمر مشروع ومحمود، بل إنه من مقتضيات فلسفة الديمقراطية حيث يجب أن تكون الإرادة الشعبية هي محرك اتجاهات النظام السياسي، وهذا النوع من التنافس سمة أساسية في ديمقراطيات العالم قاطبة، إذ تتسابق الأحزاب السياسية ورموزها من أجل تقديم ما هو الأفضل لشعوبها، بل في بعض الأحيان قد تتراجع تلك الأحزاب عن مبادئها الحزبية وفلسفتها السياسية لمواكبة توجهات الرأي العام، تبعاً لظروف كل مرحلة وطبيعة مشاكلها وتحدياتها.

Ad

ويفترض ألا تختلف الحال عندنا في الكويت إذا اعتبرنا أنفسنا بالفعل بلدا ديمقراطيا محكوما بدستور مكتوب ينظم العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتكون الأمة هي مصدر السلطات، مع مراعاة الحقيقة الكامنة في أن الحكومة عادة لا تتنافس مع أعضاء مجلس الأمة للوصول إلى السلطة، حيث إن تعيين الحكومة يتم من خلال قنوات وإجراءات مباشرة وهي من اختصاصات سمو الأمير ورئيس مجلس الوزراء.

ولكن تظل الحكومة في البعد الدستوري شريكاً سياسياً رئيساً مع مجلس الأمة، تخضع لرقابته وتشاطره تقديم القوانين ومناقشتها والتصويت عليها، مع تفوقها على المجلس في الكثير من الأدوات وعناصر التأثير في القرار، ومن بين ذلك بنك المعلومات والبيانات الذي بحوزتها وأجهزتها القانونية والإدارية والسياسية والفنية وقوتها التصويتية المتضامنة إضافة إلى قدرتها على التأثير على النواب المنتخبين عبر بوابة الواسطة والخدمات وغير ذلك من المغريات!

وإذا تابعنا طريقة الأداء الحكومي خلال السنوات الماضية وفي الفصول التشريعية الأربعة الماضية على وجه التحديد نجد أنها كانت حازمة جداً ضد الاقتراحات النيابية ذات العلاقة المباشرة بتحسين الأوضاع المعيشية للمواطن، وكانت تصف مبادرات النواب بالشعبوية وأن الغرض منها دغدغة مشاعر الناخبين على حساب الأموال العامة وهدر حقوق الأجيال القادمة وتعطيل مشاريع التنمية.

ولإثبات موقفها الصارم من تلك الاقتراحات الشعبية استخدمت الحكومة الإعلام ولجان المجلس وقاعة عبدالله السالم لتفنيد تلك المقترحات وعدم جدواها، وذهبت إلى أبعد مدى للتأثير على نتائج التصويت عليها من خلال الضغط على النواب، وعندما أخفقت في كل ذلك اختارت الطلاق السياسي مع المجلس ودفعت بحل البرلمان عدة مرات متتالية، وإن كان عنوان الحل في كل مرة ظاهره الاستجوابات المقدمة إما لرئيس مجلس الوزراء وإما للعديد من الوزراء.

واليوم تحاول نفس الحكومة وبنفس التشكيلية السياسية تبني تلك المقترحات الشعبوية أو بعضها وبمسميات ظاهرية مختلفة، في مفارقة غريبة من حيث التوقيت والظروف المالية للدولة، فتبريرات الكلفة على المال العام ودغدغة المشاعر والتكسب الانتخابي وغيرها من التهم الحكومية كانت في أوج الوفرة المالية والارتفاع القياسي لأسعار النفط ناهيك عن الذوق الشعبي الذي أتى بنفس النواب المطالبين بتلك المزايا في عدة انتخابات مبكرة ومتتالية.

وعندما تتبنى الحكومة اليوم المقترحات الشعبية هذه وتطلق العنان للاكتتابات المجانية للمواطنين في شركات مساهمة جديدة، وتعلن زيادة رأس مال صندوق، وتبشر بإنشاء شركات شعبية لبناء سبعين ألف وحدة سكنية دفعة واحدة في القريب العاجل في ظل الأزمة العالمية، وتراجع أسعار النفط، فهذه تعد مؤشرات مهمة يجب التوقف عندها، فهل يعتبر ذلك نوعاً من المزايدة السياسية على النواب أو أن الحكومة بالفعل قد وصلت إلى قناعات حقيقية بالنسبة لحجم مشاكل وهموم المواطنين أو أنها بدأت تصدق كلام النواب، أو أن مثل هذه المبادرات عبارة عن فتافيت الغرض منها التخدير السياسي للناس والنواب لتمرير أجندات خفية ومثيرة للشبهات؟!

وفي كل الأحوال تظل مثل هذه المقترحات الحكومية الشعبية لتخفيف معاناة الأسر الكويتية وربط الإنفاق الحكومي بإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية حتى يستفيد منها الجميع، وفي مقدمتهم خزينة الدولة، محل ترحيب ونقطة تحول إيجابية، نتمنى أن تدوم في ظل تعاون حقيقي وتطبيقاً لمبدأ الشراكة الدستورية مع مجلس الأمة، وأن تكون فعلاُ حكومة شعبية ليس بشخوصها بل بفكرها الذي يلامس احتياجات الناس ومستوى القلق والإحباط الذي وصلوا إليه!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء